التاريخ: شباط ٢٨, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
الخيارات الدستورية المصرية بعد ثورة النيل - شبلي ملاط
اللحظة الدستورية: اللاعنف مطبّقاً في المؤسسات

بات انتقال السلطة الحاصل في مصر لحظةً دستورية، والعمل على القانون الأسمى في البلاد محطّ أنبل ما حملته ثورة النيل لمصر والعالم، وهو طابعها اللاعنفي. اللحظة الثورية باتت لحظة تأسيس دستوري متجدّد. الانتقال الدستوري بعد تنحية الطاغية هو أبرز مهمة لترسيخ مستقبل مصر والمنطقة في القانون. وهو امتياز نادر أن نكون شهوداً لهذه اللحظة الفريدة في تاريخ الشرق الأوسط عبر الثقة والصداقة التي تربطنا بأصدقائنا المصريين.


المشروع الحالي باشَرتْه مجموعة من الطلاب المهتمين بقوانين الشرق الأوسط في كلية الحقوق بجامعة هارفرد، التفّوا معي حول الرسالة التاريخية للثورة المتنامية في المنطقة، وطابعها اللاعنفي الواعي، ومركزية مصر وتقاليدها القانونية في الفضاء العربي، والأهمية البالغة للإصلاحات الدستورية المنشودة. نأمل أن تساهم هذه الدراسة، من خلال أوسع مشاركة علنية ممكنة دعماً لثورة النيل، في إضافة صوتها القانوني المتواضع على المناقشة الدائرة حول مستقبل البلاد، و التي تقودها لجنة التعديلات الدستورية.


تناقضُ التفسيرات الدستورية مألوفٌ في أوقات الشدة، وأكثر من شخص ومجموعة يتوسل هذه أو تلك المادة الدستورية لتأييد رأي ودفع مصلحة حول مآل الأمور. وإذا كان التباين واسعاً في تفسير الدستور خلال الأزمنة العادية، فكيف بالتباين في البلدان المتحررة حديثاً من الحكم المتسلط في ظل انعدام السوابق الديمقراطية للممارسة الدستورية؟ ومع هذه القراءات المشوهة على نطاق واسع لأحكام دستورية غير مطبقة صار إحياؤها الفجائي من سباتها العميق، قد يكون الأفضل في التعامل مع التنظيم السّلمي للانتقال السياسي منهجاً قوامه التغيير الدستوري الثوري اللاعنفي باعتماد قراءة روح بناءة هادفة للحرّيّة، تجيز للحقوق والحريات أن تزدهر خلال الفترة الانتقالية بحيث يصبح التغيير شاملاً وبعيداً عن العنف ليرسّخ الفلسفة الأهلية السلمية التي طغت على مصر في ثورتها الوطنية اللاعنفية غير المسبوقة في تاريخها المديد.


هذه الروح الديموقراطية البناءة عصب الجهد الحاضر في هذه الدراسة. وغاية العمل لدى الجميع تلبية التطلعات المشروعة للشارع المصري الثائر، و الذي يعترف به كلّ الفرقاء عنواناً عاماً لثورة النيل، بمن فيهم قادة النظام السابق والقوات المسلحة والمجتمع الدولي. لكن التشدّق بالتطلعات الشعبية المشروعة هباء في الرّيح من دون تعديلات دستورية جدية تخرج الكلمات الطنّانة من فراغها. فجميع المصريين ذوي النيات الصافية، وكلّ من يدعمهم في العالم على طريق الديموقراطية الوعرة والصعبة، راغبٌ في حصول تغيير مؤسسي يحوّل حقيقةً وعود الديموقراطية المهملة
والمشوهة في استعمال الاستبداد للدستور.


المنافسة للقيادة السياسية طبيعية وصحية في جميع المجتمعات، و يحقّ لكل مواطن أن يتطلّع لأن يكون جزءاً من هذا التغيير الديموقراطي، إن في الشارع أو في المناقشات الدائرة في وسائل الاعلام التقليدية والمستحدثة، أو في اللجنة المغلقة داخل القوات المسلحة، وصولاً إلى اللجنة الدستورية المكلفة تعديل الدستور. مفتاح تعزيز فرص النجاح هو الرفض المطلق للعنف كوسيلة لتحقيق الغايات السياسية من جهة، وهو من جهة أخرى مسار شفاف بما أمكن للمناقشات. الروح الديموقراطية اللاعنفية البناءة هي الآن في لحظتها الدستورية.

الدستور المصري
على مفترق الطرق


أين تقف مصر دستورياً إبان ثورة النيل؟ المشهد الدستوري تقاطع لعدة تيارات، نتيجته تشويش طبيعي لشرعيات متنافسة. والضبابية الدستورية أولاً إرث محتّم لغياب طويل لحكم القانون ولانتقائية الاستبداد للنص الدستوري، ومعهود الديكتاتوريات استخدامها للدساتير بأسلوب انتهازي بحت. يبقي المستبدّ أي مادة دستورية لا يراها مفيدة لاستبداده في سبات عميق، حتى يأتي الزلزال الشعبي لينبّهه إلى وجودها، وعندها يستخدمها الديكتاتور بطريقة أيضاً انتهازية ضماناً للبقاء في السلطة. بعد ثلاثة عقود تذكر الرئيس المصري فجأة المادة 139 التي توجب على رئيس الجمهورية "أن يعين نائباً له"، فعيّن الجنرال عمر سليمان في هذا المنصب بتاريخ 29 كانون الثاني 2011. وعلى الأرجح أن حسني مبارك اتّخذ هذا الإجراء استباقاً لخطوة من رئيس مجلس الشعب الذي سبق أن أعلن أنه بصدد إصدار بيان مهم في اليوم ذاته، وأسوةً بالسابقة التونسية، هذه الخطوة المستبقة كانت ترمي إلى استلام زمام الأمور عملاً بأحكام المادة 84 التي تنص على أنه "في حالة خلوّ منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقّتاُ رئيس مجلس الشعب". فكان رئيس مجلس الشعب جاهزاً للإعلان بأن الرئيس بات عاجزاً عن حكم البلاد وأن يستلم هو السلطة في مرحلة انتقالية، غير أن إقدام حسني مبارك على تعيين نائب للرئيس أفشل محاولة رئيس المجلس استلام السلطة عملاً بهذه المادّة.


وتجاوزت التطورات المتسارعة عملية التغيير: ففي 11 شباط أعلن نائب الرئيس عمر سليمان أن حسني مبارك "قرر التنحي عن الرئاسة". وفي اليوم ذاته أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً دستورياً يعلن فيه تعليق الدستور وتولّي "إدارة شؤون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر أو انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية". بهذا التدبير تم قطع الطريق على نائب الرئيس تولّي صلاحيات الرئيس، وإن لم يكن واضحاً هل بات المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعمل بطريقة جماعية أم أنه عهد القرار إلى رئيسه المشير حسين طنطاوي. وليس واضحاً هل وضع المجلس الأعلى قواعد داخلية لفترة "إدارته شؤون البلاد"، ومثل هذه النص إذا وُجد لم يرَ طريقه إلى العلن.


من الناحية الشكليّة الصرف، لقد أقدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تنفيذ انقلاب عسكري في تدبير غير دستوري، وينبغي التنويه إلى أن الدستور لا ذكر فيه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهكذا لا يكون لهذا المجلس أي سلطة دستورية: فالمادة 182 تشير إلى وجود مجلس الدفاع الوطني يخضع لسلطة الرئيس، والصلاحيات الواسعة التي منحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنفسه لا تمتّ بصلة إلى الصلاحيات الدستورية المرتبطة بمجلس الدفاع الوطني.


ويعني هذا الضعف في المشروعية أنه مهما كانت سلطات المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي خوّلها لنفسه، فهي تبقى نسبية محدودة في الزمن والموضوع، مما يرتّب التأني على المجلس الأعلى، نتيجته أن يلتزم باللاعنف، والشفافية، وبالمبادئ الديموقراطية الأساسية على امتداد فترة إدارته لشؤون البلاد.


والالتزام بوسائل اللاعنف يعني أن يستمر الجيش في رفض استعمال القوة ضد المتظاهرين العزّل من أجل إزالة الغيوم التي تحيط بقيادته السياسية وماضيها التسلطي. التظاهر السلمي والإضرابات هي من الحقوق الأساسية التي انتهجتها ثورة النيل، و النداءات المتكررة للقوات المسلحة من أجل إنهاء الإعتصامات وإخلاء الشوارع غير دستورية وغير واقعية. لا يجوز لأي كان أن يتعامل مع تظاهرات الشارع بالقوة ما دامت تتم بأسلوب سلمي.


ومن ناحية الشفافية، إذا كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يبقى في الصدارة المرحلية وأن يعزز النداءات التي يطلقها، فعليه الابتعاد عن إصدار بيانات عسكرية بأسلوب مستنسخ من البلاغ الرقم واحد المشؤوم الذكر الذي أصدره أسلافه في 23 يوليو 1952. ينبغي أن تتوقف مثل هذه البلاغات فور الإعلان من قبل لجنة التعديلات الدستورية عن الإجراءات الانتقالية المنوي اعتمادها للانتقال السلمي للسلطة.


ومن ناحية المبادئ الأساسية، فإن الجيش دائماً يخضع للحكم المدني في البلدان الديموقراطية، حتى في وقت الشدة، ودوره ينحصر بالدفاع عن الوطن من الأخطار الخارجية. بغياب قيادة مدنية منتخبة يجب على الجيش أن ينأى بنفسه عن أي دور سياسي وألا يتخطّى المسؤولين المدنيين خلال عملية الانتقال. أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في البيان الرقم 4 الصادر في 4 شباط 2011 "التطلع إلى الانتقال السلمي للسلطة في إطار النظام الديمقراطي الحر، الذي يسمح بتولي سلطة مدنية منتخبة لحكم البلاد لبناء الدولة الديمقراطية الحرة"، هذا إلتزام نبيل متى تمّ الاقتداء به فعلاً.

العملية الانتقالية


لئن أُخضعت مصر خلال ثلاثين عاماً لقانون طوارئ متّصل مارسته السلطة التنفيذية، كان ممنوعاً على الأحزاب أن تنمو وتتطوّر، باستثناء تلك التي كانت مفيدة لاستمرار الحزب الحاكم مهيمناً على الحياة السياسية. حتى في الانتخابات الرئاسية التي كان مزمعاً إجراؤها في ايلول 2011، كان التطور المؤسسي الطبيعي مستحيلاً لأن الإخوان المسلمين وحدهم يتمتعون بشيء من الهيكلية التنظيمية، سببه ما كان حسني مبارك يعتمد عليه في استعمال هذا التنظيم على هواه ليكون فزّاعة دائمة بالنسبة إلى الدول الغربية، من دون أن يتطوّر فعلاً ليشكل تهديداً جدّياً لنظامه.


فتمّ القضاء على قيادات وتنظيمات أخرى بطريقة عنيفة، نذكر منها ثلاثة مرتبطة بأسماء معارضة معروفة في مصر بالماضي القريب: الدكتور سعد الدين إبرهيم، الأستاذ المرموق الذي كان أوّل من تجرّأ على السؤال عن بطش مبارك وفساد عائلته، سجن سنة 2000 لأكثر من سنتين وتمت مطاردة أعضاء مركز ابن خلدون الذي أسسه وتوقيفهم والقضاء على باب رزقهم. وفي آذار 2005 أُجبر مبارك على تعديل المادة 76 من الدستور المصري بعدما شهد قوة الشعب في ثورة الأرز تقود إلى تنامي المظاهرات في مصر طلباً للتغيير. وقد أجاز هذا التعديل لمتنافسين آخرين على الرئاسة أن يترشحوا، وهذا ما فعله أيمن نور، فعوقب على "تطاوله" على الرئاسة بسجن دام أكثر من ثلاث سنوات، وبتدمير حزب الغد الذي كان يترأسه. وبعد جهود محمد البرادعي الهادفة إلى تأمين بديل من الحكم المطلق، تضاعفت ضغوط مبارك ولم يعد يقوى البرادعي على الاستجابة لمطالبات الشارع النامية بقيادة بديلة، فاضطرّ الى سلوك درب المنفى.


إذاً، هنالك مسألة العمق الديموقراطي الضروري خلال عملية الانتقال، بما فيها المدى الذي أتاحه نظام مبارك للإخوان المسلمين وبعض الأحزاب المعارضة الواهية ضد قيادات أخرى أكثر علمانية ومن أشدّها اندفاعاً وجرأةً حركة كفاية. هذا التضييق المنظّم للمجال السياسي يجعل من إعادة التوازن مطلباً أساسياً لنجاح المرحلة الانتقالية. حتى في أحسن الاحتمالات، تبدو الانتخابات الرئاسية في ايلول دون المستوى المطلوب لانتقال عادل وشفاف ومتوازن للسلطة.
المعضلة واضحة. تأخير الاستحقاق يؤجل اختيار الشعب في مصر لقيادته، والإسراع في العملية قد يؤدي إلى فقدان التوازن في البلد، ويرجح كفة فريق على آخر بصور غير عادلة. نوع الانتقال هو إذاً أساسي لتؤدي العملية إلى انتخابات حرة ونزيهة.


هذا يعني أنه ينبغي إنشاء هيئة مستقلة تدير العملية الانتخابية وتشجع الممارسة الديموقراطية وتصدّ التخويف لدى المجموعات المتطرّفة وتعاقب الدعوة إلى العنف وممارسة الترهيب في المجتمع. المطلوب من القضاة ورجال القانون عامة ممن عندهم الخبرة والتجرد أن يكونوا أعضاء في هذه الهيئة الضرورية للديموقراطية في أكثر الأيام حرجاً ما بعد زمن مبارك.


لقد تم استدراج الجيش المصري بطريقة متزايدة إلى دائرة الضوء السياسي، والجيش ليس مهيئاً لما لا يجدر تعاطيه به أساساً. بدأت مأساة مصر سنة 1952 مع انقلاب ما سمي بالضباط الأحرار، وقد استمرت مع مجلس القيادة الثوري الحزين الذكر، و الذي لا تزال آثاره التسلطية ظاهرة في أنظمة عربية لاثني عشر بلداً في المنطقة. لن يحصل أي تغيير له معنى إذا ما تمّت الإجازة للعسكر بأن ينشغلوا بالسياسة. مبارك نفسه، كما السادات وعبد الناصر، جاء إلى الرئاسة من صفوف الجيش مباشرةً، وحقاً صادمٌ أن يُسمّى نائب للرئيس من كان على رأس الأجهزة الأمنية التي ارتبط صيتها على مدى عشرين عاماً بنشر التعذيب، و أن تبقى وجوه الفساد في مناصب رئيسة في الحكومة.
قد لا يكون تاريخ الجيش في مصر محايدأ، ولكنه حافظ على احترامه من أهل الثورة بفعل عدم إطلاق النار على الحشود المسالمة الثائرة. يجب حماية صورته خلال عملية الانتقال عبر منع الضباط الكبار وامتناعهم من السعي إلى أي منصب دستوري في الصدارة.


إذاً مَن هو القادر على قيادة الانتقال؟ الأفضل عندنا أن يُعهد إلى مجموعة محترمة من الأشخاص لهم تفويض دستوري طبيعي للإشراف على الفترة الانتقالية يضمنون التوازن في اللعبة الديموقراطية فيتحققون بجدية من الممارسات الاستبدادية لبعض المجموعات الإسلامية، ومنهم الإخوان المسلمون، ولبقايا النظام الحاقد، يدرأونها قبل أن تحصل ويعاقبون من يشرف عليها متى حصلت. في انتقال للسلطة بعد ستين عاماً من الدكتاتورية، تكون كمية التفاصيل مذهلة، والحاجة ملحة إلى هيئة متماسكة تضم خبراء في الدستور والانتخابات تشرف على الاجراءات المعقدة المطلوبة. القضاء يمثل المجموعة الوحيدة التي تلتقي فيها الخبرة الديموقراطية المطلوبة والاستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية بداهةً.


القضاء في مصر عريق في استقلاليته، في وجه ما عبّره لي مراراً الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا المرحوم الدكتور عوض المرّ: "مشكلتنا الرئيسية"، كان قاضي القضاة يردّدها، "هي السلطة التنفيذية". ورغم تدخل الحكومة تمكنت المحكمة الدستورية العليا من أن تبني سمعة وطنية ودولية تحمل أفضل التقاليد القضائية في المجتمع المصري بروح عميد أهل القانون العرب في القرن العشرين، الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وهو الفقيه الفذّ الذي عامله عبد الناصر معاملة وحشية في اعتداء مشهود على القوس في وضح نهار التاسع والعشرين من آذار عام 1954.


مذ ذاك والقضاء المصري واقف مراراً وتكراراً في وجه السادات ثم في وجه مبارك، منتزعاً منهما احترام المحكمة الدستورية العليا و فارضاً عليهما مسافةً حقيقية من القضاء العادي، مما يفسّر لجوء حكّام مصر المتتالين منذ عام 1954 إلى المحاكم الخاصة والعسكرية للتخلّص من معارضيهم. وفي أيار 2005 هدّد القضاة بالامتناع عن مراقبة الانتخابات الرئاسية لافتقار العملية للاستقلال الكافي، وآخر ثورات القضاء ضدّ تعسّف السلطة التنفيذيّة حدثت منذ أقلّ من سنتين.


من في القضاء يمكن أن تناط إليه قيادة الانتقال المنظم في الدستور؟ بالاضافة إلى الدور الطبيعي في المراقبة الذي يمكن أن نعثر عليه في فصل كامل عن القضاء، إلى جانب فصل خاص مخصص للمحكمة الدستورية العليا كضامنة للنظام الدستوري، تشكل المادة 84 مدخلاً مفيداً للتغيير الدستوري: بعد ذكر حق رئيس مجلس الشعب لإعلان خلو منصب الرئاسة، تضيف المادة أنه في حال "كان المجلس منحلاً حلّ محلّه رئيس المحكمة الدستورية العليا بشرط ألا يرشح أيهما (من رئيس المجلس ورئيس المحكمة) للرئاسة". وبما أن الانتخابات البرلمانية التي حصلت العام الفائت هي مَعيبة باعتراف مبارك نفسه الذي طلب من محكمة النقض أن تعيد النظر مجدداً فيها، و بما أن مجلس الشعب هو عملياً لاغِ بحكم القانون، وقد تمّ حلّه مؤخراً، فإن المحكمة الدستورية العليا ومجلس القضاء الأعلى هما عملاً بروح المادة 84 الأجدر بـ"تسلّم الرئاسة" ما دام أنه محظور على رئيس المحكمة الدستورية العليا أن يسمّي نفسه لهذا المنصب. ينبغي إذاً تشجيع لجنة تعديل الدستور التي أنشأها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تأكيد إشراف القضاء على عملية الإنتقال إلى الديموقراطية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بالنمط الذي يراه الأفضل إلى برّ الأمان الدستوري.

الخيارات الدستورية


في العمل على التعديلات الدستورية تتعدّد الخيارات:


الخيار الأول في الحاجة إلى استبدال الدستور بالكامل، أو إلى إجراء التعديلات الكافية على الأقلّ بالنسبة إلى المرحلة الانتقالية. الخيار الثاني هو ما إذا كان ينبغي حصر التعديلات بعدد محدد من المواد، أي الأكثر أهمية، أو إذا ما كان الدستور بحاجة إلى الإصلاح في عدد أوسع من الموادّ.
كتابة دستور جديد يتطلب المزيد من الوقت والمزيد من النقاشات، وقد يكون إنشاء جمعية دستورية ضرورياً للقيام بهذا الجهد. إضافة إلى ذلك، إن الدستور المصري كما العديد من الدساتير الخاضعة للدكتاتوريات، هو تسلطي في المعايير الأساسية للديموقراطية فقط في موادّ محدودة يتعذر تفسيرها ديموقراطياً إما لأنها فضفاضة أو لأنها حصرية.


والمثال على الحالة الأولى هو استخدام صلاحيات قانون الطوارئ بشكل غير منقطع منذ 1981 (ورسمياً منذ 1967). فالدساتير في الديموقراطيات الفعلية تمنح في بعض الظروف الاستثنائية صلاحيات إضافية للسلطة التنفيذية، ولكنها تكون محصورة بالوقت وبالموضوع. الدستور المصري الحالي لا يتخلف عن ذلك، غير أن التلاعب الكبير في ممارسة الرئيس لصلاحيات الطوارئ أدى إلى قلب النظام رأساً على عقب: الطوارئ أصبحت القاعدة والحياة الدستورية هي الاستثناء.


الاستخدام المفرط للطوارئ هو أحد الوسائل التي استعملها الاستبداد لتشويه الدستور. صياغة حرية الترشح لأعلى المناصب هو مثال آخر على التشويه، وهذا ما يفسر طول المادة 76 التي حشدت الشروط والأنظمة التي تهدف إلى الحد من حق الترشح للرئاسة باستثناء شخص واحد وسنكتب لاحقاً عن التعديلات التي نقترحها بشكل محدد وغايتها التي تلي في جهدنا المتواضع وهي المساعدة على منع
حالة الاستثناء التي تدور حول شخص واحد.