التاريخ: تشرين الأول ٢٤, ٢٠١٠
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الانتخابات النيابية في الأردن: تعهدات حكومية بالنزاهة بلا طائل
مرشحون يتخوّفون من "الدوائر الوهمية"

"إذا ما تدخلت الدولة". هذه أكثر العبارات التي تسمعها عندما يبدأ الناس بالتكهن بنتائج الانتخابات النيابية في الأردن، ليكملوا قولهم بـ" فسيفوز فلان أو فلان".
وفوق ذلك فإنك كثيرا ما تسمع أن فوز فلان أو فلان محسوم لأن"الدولة بظهره"، أي تدعمه.
على رغم التأكيدات اليومية التي تطلقها الحكومة الأردنية بدءا برئيسها سمير الرفاعي، مرورا بسائر المسؤولين المرتبطين بعملية الانتخاب التي ستجرى في التاسع من الشهر المقبل، لم تستطع أن تزيل من أذهان الناخبين وكثير من المرشحين أذيال التزوير الواسع النطاق الذي جرى في الانتخابات الماضية قبل ثلاث سنوات.


إلا أن محللين ومتابعين يجزمون بأن التزوير، إن كان مخططا له أن يحدث في عمليتي الاقتراع والفرز، فلن يكون على نطاق واسع كما حدث في الانتخابات السابقة، وأن الحكومة لن تتدخل في نتائج الكثير من الدوائر باعتبار أن معظم المرشحين من لون واحد وليس بينهم من يمكن أن يشكل إزعاجا لها، إلا إذا لزم الأمر وكان هناك من يعنيها أمره ولم يتمكن من الفوز بجهوده الذاتية.
ويرى المتابعون أن موجبات التزوير تقلصت كثيرا مع مقاطعة الحركة الإسلامية، وهي أكبر المكونات السياسية المعارضة للحكومة، ومعها عشرات الشخصيات السياسية  التي يمكن أن تقلق الحكومة اذا ترشحت وفازت.
بل إن كثيرا من الحزبيين وغير الحزبيين ترشحوا لأن الإسلاميين لم يشاركوا، لعلمهم أن فرصهم ستكون غاية في الصعوبة لو بقيت الحركة الإسلامية وحلفاؤها في الساحة.

 

تزوير مسبق

ويذهب مراقبون إلى أن التزوير حصل حتى قبل الانتخابات. ويشيرون بذلك إلى التسهيلات والاستثناءات الواسعة التي منحت للنواب السابقين عندما كانت تمرر لهم الكثير من المطالب الخدمية في دوائرهم ومناطقهم الضيقة والتوسع في تعيين أقربائهم وأنصارهم في أجهزة الدولة على مدى سنتين من عمر المجلس السابق، وهو ما أعطى ميزة نسبية، اذ ترشح معظمهم مجددا  (106 نواب)  للمجلس المقبل، وسيطالبون ناخبيهم  بتسديد الدين الذي قدموه لهم بالتعيينات والخدمات المختلفة.
وهنا يستغرب الكثيرون، ويتخوفون من أن يعود هؤلاء أو معظمهم مجددا إلى البرلمان، ويتساءلون: "لماذا جرى حل البرلمان أصلا إذا كان هؤلاء سيعودون مجددا إليه؟".
 الوجه الآخر للتزوير، كما يراه المراقبون، جاء من خلال القانون الانتخاب الموقت الذي فصلته الحكومة وتضمن "الدوائر الوهمية" التي تسميها الحكومة بالفرعية، التي لم يفهمها كثير من الناس، حتى أن بعض المرشحين يلتبس عليهم فهمها، وهو تعديل على النظام الانتخابي لم يسبق الأردن إليه أحد.


الدوائر الوهمية

كان أحد أكبر الانتقادات الموجهة إلى قانون الانتخاب القائم على نظام "الصوت الواحد غير المتحول"، أنه لا يجعل وزن الصوت متساويا في كثير من الدوائر الانتخابية البالغ عددها 44. إذ تجد في بعض الدوائر مقعد وفي أخرى اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة مقاعد، للناخب أن ينتخب مرشحا واحدا بينما يفوز من دائرته مرشحون آخرون ويمثلونه من دون أن يكون له يد في تقرير من يمثله عن هذه المقاعد.


الحكومة في القانون المعدل أوجدت في كل دائرة تتضمن أكثر من مقعد دوائر "فرعية" بعدد المقاعد، ليصير عدد الدوائر 108 بعدد المقاعد، باستثناء المقاعد الإضافية الإثني عشر المخصصة للنساء.
وعلى ذلك، فدائرة ثالثة في العاصمة عمان (المسماة دائرة الحيتان) التي كانت تحتوي أربعة مقاعد، أحدها للمسيحيين، قسمت إلى اربع دوائر "فرعية" بعدد المقاعد.، بحيث يفوز في كل دائرة الفائز الأول.


وعندما سنّت الحكومة القانون قالت إنها حلت المشكلة وأصبح للصوت وزنه الحقيقي ولكل دائرة مقعد، وأنها بذلك استجابت لمطالب منظمات حقوق الإنسان والديموقراطية المحلية والدولية.
لكن هذا لم يكن صحيحا البتة ورفضته المنظمات الحقوقية وانتقدته، وخصوصا المركز الوطني لحقوق الانسان، وهو هيئة رسمية مرتبطة برئيس الوزراء.
 فتقسيم الدوائر كان وهميا، أي أن الدوائر الفرعية لم تحدد جغرافيا ولا سكانيا، ولا خصائص لها تجعلها محسوسة أو ملموسة. أو كما سماها بعضهم "دوائر البوكيمون" نسبة إلى الشخصية الكرتونية التي لا يستطيع أحد الإمساك بها أو لمسها.


وعلى ذلك، فإن على المرشح أن يختار الدائرة الفرعية التي يريد، من دون أن يعلم من سينافسه في هذه الدائرة الوهمية إلا بعد انتهاء الترشيح، ولا يحق له تغيير الدائرة التي اختارها.
هذا صار يعني أن مرشحا ما قد يفوز بالمقعد المخصص للدائرة الوهمية  الأولى وقد حصل على نحو عشرة آلاف صوت، بينما يمكن أن يفوز مرشح آخر في الدائرة الوهمية الأخرى داخل الدائرة الرئيسة نفسها، بالحصول على 3 آلاف صوت مثلا، بينما الحاصل على الترتيب الثاني في الدائرة الأولى لن ينال شيئا حتى ولو حصل على 9 آلاف صوت.
وفي هذا كما يتفق الجميع ظلم كبير للناخب والمرشح، وهو يفتح الباب بقوة على إمكان اللعب من قبل الحكومة في تسجيل المرشحين الذين تريدهم في دوائر بحيث يكون النجاح شبه مضمون.
والأنكى من ذلك، أن يتفق المرشحون الكبار على أن يسجل كل منهم في دائرة مختلفة حتى لا يصطدم بعضهم بالبعض الآخر، والنتيجة أن المنافسة ستكون سهلة لكل منهم، وهو ما بدا أنه حدث في غير دائرة رئيسية.


كما أن بعض المرشحين الأقوياء نشروا في دائرتهم أنهم سجلوا في دائرة فرعية محددة حتى لا يقترب أحد منها، وهو ما كاد يؤدي إلى فوز بعضهم بالتزكية.
وفي المحصلة، فإن مصير عدد لا يستهان به من الدوائر حسم لمصلحة مرشحين بأعينهم، وبات فوزه بالمقعد النيابي مسألة وقت.
وكانت النتيجة  انسحاب 22 مرشحا رسمياً وتلويح آخرين بالانسحاب، بينما يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة عددا آخر من الانسحابات.
في هذه الأثناء، تخشى حكومة الرفاعي تدنياً غير مسبوق في نسبة المقترعين في الانتخابات المزمعة، ليس فقط بسبب تأثير دعوات المقاطعة، وإنما بسبب اللامبالاة والإحساس باللاجدوى اللذين يتملّكان الناخب الأردني، وأن المجلس المقبل لن يكون أفضل مما سبقه، ولن يحدث تغييرا جديا ما دام البرلمان منزوع الدسم والصلاحيات.