التاريخ: أيار ٢١, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
مصر: كيف تصنع جماعة الحكم الأزمات لنفسها؟ - محمد الشاذلي
ربما كان ما يميز جماعة الحكم الجديد في مصر وأنصارهم الخفة في تناول ما يطرحونه من أمور، وهم أشبه في ذلك بحشود المراهقين والعجائز الذين يفضلون المعادلة الصفرية، إما نفي الآخر وتدميره أو أن يكون معنا، إما تطبيق وتنفيذ كل ما نعتقده، أو إعلان الحرب، ثم سرعان ما يتم نسيان الأزمة برمّتها والانتقال بخفة إلى أزمة أخرى.
 
لقد أعلنت القوى الإسلامية المناصرة لجماعة الحكم الجديد رفض كل صور الوجود الشيعي في مصر، ليس فقط على مستوى الاعتراف بوجود شيعة في مصر وإنما على مستوى رفض السياحة والزيارة لبضعة أيام خشية نشر مذهبهم المدمر للمذهب السنّي ولما اعتقده المصريون طيلة قرون مضت.
 
كان وزير السياحة في الحكومة الحالية هشام زعزوع توصل إلى قناعة بأن السياحة الإيرانية مثلها مثل غيرها من صنوف السياحة يمكن أن تنعش هذه الصناعة التي تضررت من جراء الثورة وفوضى ما بعد الثورة وأنها قد تغذي قطاعاً مهماً ومرتبطاً مباشرة بالأحياء الشعبية التي توجد فيها أضرحة ومقامات ومزارات ومشاهد لآل البيت، وأنها قد تساهم في تدفق بلايين الدولارات إلى الاقتصاد المصري.
 
وما إن أطل السائح الإيراني برأسه في مصر في شكل مقدمة استكشافية زارت أسوان والأقصر وتقررت على أساسها عودة الطيران المباشر بين البلدين، حتى ثارت جموع قوى الإسلام السياسي ما عدا الإخوان، لأنهم أهل الحكم ولأنهم براغماتيون بطبيعة تكوينهم ونشاطهم عبر ثمانين عاماً منذ نشأة الجماعة.
 
ثارت هذه القوى ورفضت بشدة السياحة الإيرانية، وكان ذلك في نيسان (أبريل) الماضي، أي قبل أيام قليلة وليس من سنين، واعتلى منابر المساجد من سمعته بنفسي في أحد مساجد حي شبرا يقول إن دخول هؤلاء السياح الإيرانيين منكر، ولا بـد مـن تحصيـن المصريين ضد الشيعة.
 
ركز السلفيون تحديداً على الأزمة التي صنعوها وحذروا من مطبوعات وأقلام يتم توزيعها على تلاميذ المدارس، ما دفع زعزوع إلى الإعلان عن نشر كاميرات تراقب مرور التشيّع في ميدان التحرير وأن الأمن سيراقبهم، فهل توجد خفة في معالجة الأمور أكثر من ذلك؟ وقد اضطرت الأوقاف لتقول إنها ستقف بالمرصاد ضد بؤر التشيّع في مصر، وأعلن وزير الأوقاف طلعت عفيفي أن محاولات هذه البؤر ستؤول إلى الفشل كما حدث في الماضي وأن الله سيرد كيدهم في نحرهم. أي سياحة يمكن أن تأتي مع هذه الحكومة وهذا الحكم، تحت كاميرات ومراقبة أمنية وتكفير وتهديد وإنكار.
 
هذه الأزمة صنعتها قوى الإسلام السياسي وانتقلت منها إلى أزمات جديدة، سبق أن أدخلت البلاد في أزمة «الغطاء» السياسي الذي تقدمه جبهة الإنقاذ والأحزاب السياسية العلمانية للعنف أمام الاتحادية.
 
ومرت الأزمة، لتتحول إلى نيران يسكبها الإسلاميون لحرق مصر، كما هدد إعلامي إسلامي، إذا لم تتوقف إشاعات حبس الرئيس محمد مرسي لهروبه من المعتقل خلال عملية اقتحام السجون خلال الثورة.
 
نحن هنا أمام أمرين في درجة لا بأس بها من الخطر، الأول: حالة الهلع التي أصابت تيار الإسلام السياسي من خسارته المستمرة للرأي العام والتي يرد عليها بأن الصندوق هو الحكم وأنه سيأتي لمصلحتهم حتماً في أول انتخابات مقبلة وهي انتخابات مجلس النواب. وعلى رغم هذه الثقة المفرطة، فإنهم لا ينتظرون الانتخابات الموعودة وينخرطون في الدفع لمجلس الشورى بمشاريع قوانين لإصدارها في حضور غالبية لهم في المجلس وعدم وجود معارضة مؤثرة على الإطلاق ورغبتهم في إنجاز أكبر عدد من القوانين من خلال مجلس لم يتم انتخابه ليشرّع وإنما ليشير ويستشير، وما إضافة مهمة التشريع موقتاً له إلا في الدستور الذي تم وضعه أيضاً في غيبة معارضة مؤثرة.
 
الأمر الثاني هو التعهد غير المكتوب بإنتاج الأزمات المتتالية للهروب إلى الأمام، وقبل تسعة أشهر وبعد ساعات من تولي مرسي صنع أزمته الأولى بإعادة مجلس الشعب المنحل، ولم يكن قراره سوى افتتاحية لبدء المعارضة المنظمة والمتزايدة لحكمه، وظلت الأزمات التي تُصنع كعمل تطوعي تنزل على الناس من دون طلب.
 
* كاتب مصري