التاريخ: أيار ١٤, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
إسرائيل دولة مصطنعة! - ماجد كيالي
على مدار 65 عاماً عشنا على فكرة مفادها أن إسرائيل دولة مصطنعة، وغير شرعية، ومغتصبة للحقوق، وعدوة، ومتوحّشة، وهذا صحيح، لكن المشكلة لاتكمن هنا فقط، وإنما في عمليات الحجب والتلاعب والتوظيف، الذي ينطوي عليه هذا الكلام.

القصد أن فكرتنا هذه عن إسرائيل حجبت عنا واقعنا البائس، وأعمتنا عن رؤية أوجه العطب في أحوالنا، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، بحيث لم نفطن إلى أن أنظمتنا، بدورها، تفتقد إلى الشرعية، مثلما نفتقد كمواطنين مكانة المواطنة، في ظل أنظمة سلطوية تغوّلت على الحريات الفردية، وأفسدت الحياة العامة. تماماً، مثلما لم نفطن إلى أن كل هذا التحشيد، على إسرائيل، لم يكن يتقصّد حثّ الجهود لمواجهة التحدّي الذي تمثله للعالم العربي، لأنه كان يقتصر على الشعارات، والتلاعب بالعواطف. 

هكذا، خبرنا نوعاً من "التواطؤ”، غير المباشر، في علاقة إسرائيل بالنظم العربية، بحيث استثمرت الأولى في ضعف العالم العربي، بينما استثمرت الثانية في توظيف وجود إسرائيل، لتهميش مجتمعاتها، وإزاحة المطالب المتعلقة بالديموقراطية والحريات والتنمية.

بالنتيجة، فقد باتت إسرائيل اليوم أكثر استقراراً من كثير من الدول العربية، في حين يبدو مجتمعها، الذي يتحدّر من بلدان شتّى، أكثر انسجاما، بالقياس لأحوال مجتمعاتنا. ومن الناحية الاقتصادية فإن هذه الدولة الصغيرة، والتي تفتقد للموارد الطبيعية، باتت تملك قدرة تصديرية تقدّر بحوالي 70 مليار دولار سنوياً، مع دخل للمواطن قدره 31 ألفا من الدولارات. كما يجدر بنا لفت الانتباه هنا إلى أن إسرائيل لاتتحدّى العالم العربي بقدراتها العسكرية، وتطورها التكنولوجي، ومستوى رفاهية مواطنيها، فقط، وإنما تتحدّاه، أيضاً، بنظامها التعليمي، وصحافتها، ومراكز البحث فيها، وفوق ذلك بديموقراطيتها وانتخاباتها وتداول السلطة فيها.

الآن، ليس القصد من هذا الكلام الإيحاء بأن إسرائيل دول كاملة، أو خالية من الأزمات، فالواقع يفيد بأنها تعاني من مشكلات كثيرة، ضمنها التناقض بين العلمانيين والمتدينين، والشرقيين والغربيين، والفقراء والأغنياء، وبين كونها دولة ديموقراطية وكونها دولة يهودية، كما بين اعتبارها دولة لليهود فيها أو ليهود العالم، وبين رؤيتها لذاتها كدولة تشكل امتدادا للغرب في المنطقة، ووضعها كدولة شرق أوسطية، هذا علاوة على العداء المستحكم بينها وبين محيطها العربي. 

أي أن المعنى هنا يتعلّق بلفت الانتباه إلى أن هذه الدولة "المصطنعة" إنما تستقر وتتطوّر، بالضبط، بسبب سلامة إدارتها لمجتمعها، واستثمارها الناجع لمصادر قوتها، وتمثلها لمعايير الديموقراطية الدستورية، وضمانها الحرية والمساواة للمواطنين؛ وهي مع الأسف المجالات التي تفتقر إليها النظم العربية في علاقتها بمجتمعاتها ومواطنيها.