التاريخ: أيار ١٢, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: عن أي تسوية يجري الحديث اليوم؟ - سام منسى
بات من الممل تكرار ان الوضع اللبناني صعب ومعقد، وهو كذلك منذ اكثر من اربعين سنة، اي اقله منذ العام 1969 وما تلاه من محطات، وسمت حياة اللبنانيين، ومن الرتابة تعدادها.

المستجد في هذه المرحلة هو انعدام  المخارج المتاحة.  ولم يكن اللبنانيون يحتاجون الى اطلالة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله التلفزيونية يوم 30 نيسان الفائت، ليتأكدوا من أن الحزب يتصرّف بصفته الآمر الناهي في اي شأن من شؤون لبنان، سواء أكان امنيا أم سياسيا أم وطنيا، وبدا واضحا من خلال مسار الأحداث الأخيرة انه خطط ولا يزال لإيصال البلاد الى ما هي عليه اليوم، جراء اعلان الحزب عن الانخراط فعلا وعلنا في وحول الحرب الدائرة في سوريا.

ومن غير المجدي الحديث بعد اليوم عن محاولات إقناع "حزب الله" او ممارسة الضغط والتأثير عليه، لدفعه الى الحفاظ على سياسة "النأي بالنفس". فهذا الأمر بات وراء كل اللبنانيين. 
هناك من اعتبر أن استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي شكّلت للحزب ولحلفائه مفاجأة، في ظل قراءة لمتغير سياسي اقليمي، استبشر بامكان حصول توافق يجنّب لبنان العديد من المطبّات. وقد سحب هذا الأمر نفسه على الإتفاق على تكليف النائب تمام سلام تشكيل الحكومة الجديدة.

لكن سرعان ما تبدّدت مفاعيل ما بدا انه "توافق" إقليمي ليحل مكانه   "أمر عمليات" ايراني، بهدف قلب ميزان القوى في سوريا  والهجوم على ساحات الإعتصام في العراق، والانفتاح على مصر"الاخوان المسلمين" بشتى الطرق والأساليب والمغريات، تمهيدا للإنتقال بعدها الى اعادة تجميع اوراق طهران، مرورا بلبنان والبحرين وغزة واليمن...

واعتبار الخطاب الاخير تحوّلا مرده دخول الوضع اللبناني في دائرة مغلقة. اضحت الخلافات الاخرى المستحكمة بين الاطراف السياسية مثل قانون الانتخاب ومواعيد الانتخابات التشريعية وغيرها من استحقاقات دستورية او ادارية في مرتبة ثانية او اقل امام المأزق الحالي. مأزق تعذر تشكيل حكومة وما سوف يستتبعه.

هل  من الممكن تشكيل حكومة لا تضم وزراء من "حزب الله"؟ لا نحتاج الى التفكير طويلا للاجابة بالنفي. هل ممكن تشكيل حكومة تضم وزراء من الحزب وتتحمل سياسته ومواقفه لاسيما الاخيرة منها؟ ما هي المساحة السياسية المتاحة للحكومة العتيدة على الصعد كافة في ضؤ مواقف السيد حسن نصر الله من الحدث السوري؟ ماذا تستطيع أية اكثرية مفترضة في هذا المجلس او مجلس جديد قد ينتخب ان تحققه اذا لم يتطابق مع مواقف "حزب الله"؟

جراء هذا المأزق برز سؤال قديم جديد بات يتردد في اكثر من وسط هو: هل يمكن استدراك ما يمكن استدراكه وحل المعضلة السياسية المزمنة في لبنان عبر اعادة صياغة تسوية سياسية وتاريخية بين اللبنانيين من جهة، و"حزب الله"؟

البعض قال إن الاتفاق على تلك التسوية من شأنه إنقاذ لبنان... لكن هذا الطرح بدا أنه لا يخرج عن سياق سياسات الأمر الواقع التي يجري محاولة فرضها على اللبنانيين جميعهم. 

هناك من يسعى الى إفراغ البلاد من مؤسساتها وتعطيلها الواحدة تلو الأخرى، بهدف إيصال الجميع الى حالة من اليأس تمهيدا لاسقاطهم واستسهال فرض تنازلات عليهم تحت عنوان "عقد تسوية تاريخية جديدة"... سقوط او اسقاط الحكومة ادخل البلاد في فراغ حكومي، بعدما تكشّف أن سهولة التكليف ستقابلها صعوبة بل استحالة في التأليف. 

تأجيل الانتخابات النيابية سيعطل دور المؤسسة التشريعية تمهيدا لتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. مسار سياسي يسقط مؤسسات الدولة الواحدة تلو الاخرى ـ تمهيدا لإسقاط المواقع الامنية والعسكرية، والتي بدأت مع احالة المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي على التقاعد، ليلحق به قادة الاجهزة الامنية الاخرى بما فيها الجيش.

اذا، عن اي تسوية يجري الحديث اليوم، ومع من ستعقد وعلى اساس اي ميزان قوى؟
تسوية الطائف تمت على اساس انهيارمعظم  اطراف الحرب الاهلية السابقة، حين كان الجميع خاسرين. فيما الدعوة اليوم الى تسوية جديدة معناه فرض منطق الغلبة. وعندها، لا مجال للحديث عن تسوية بل عن غالب ومغلوب.

وقبل كل ذلك، من قال إن التسوية، مهما كانت طبيعتها، ستكون وحيدة القطب، سواء بين المكون الواحد او بين مختلف المكونات؟ هل يختصر "حزب الله" الطائفة الشيعية؟ ام أن هناك تنوعا ينبغي استحضاره بعناية ليتساوى اللبنانيون في تمثيلهم؟

وغني عن القول أن الطوائف اللبنانية الاخرى لا تعاني من احتكار تمثيلها في حزب او زعامة واحدة، وبخاصة عند المسيحيين، وهذا ما ينبغي اشاعته بعناية لدى الطائفة الشيعية.

التسوية لا تكون لتطويب ميزان القوى، بل بين المكونات الأساسية وهي ابقى من الاحزاب والقوى والشخصيات. وتؤكد على ثوابت اقلها انها غير متغيرة. كما عبر التأكيد على رفض جر اللبنانيين الى الاقتتال، وبخاصة بين السنة والشيعة، في ظل هذا الانقسام الكبير الذي يخترق عالمنا العربي والاسلامي اليوم.

اما بالنسبة للذين يدعون الى التسوية التاريخية في هذه المرحلة ووسط هذه الظروف الاستثنائية نقول،هل زمن الزلازل وارتداداتها هو زمن صالح للتسويات؟ في زمن الزلازل وارتداداتها الهم الاساس هو  النجاة منها باقل خسائر ممكنة. لا سيما ونكرر  في هذا السياق، وبناء على ما ظهّره المشهد في مصر،انه لا يمكن اختصار الطائفة الشيعية بـ"حزب الله" على غرار ما يجري في مصر من محاولة اختصار الشعب المصري بـ"جماعة الاخوان المسلمين". فالنتيجة كانت أن الاخوان لم يستطيعوا حكم مصر، ولن يستطيعوا.

وبعيدا حتى عن توازنات القوى الداخلية، الا يشكل الاتفاق بين اللبنانيين على مساحة مشتركة شرطا ضروريا للحفاظ على المظلة   الدولية والإقليمية التي ساهمت في بقاء لبنان وحمايته، منذ تأسيسه وعلى رغم كل الهزات التي تعرض لها؟

ان انغماس "حزب الله" في الحرب السورية وبشكل لا يمكن مقارنته بالإستعراضات الطفولية لأطراف سلفية اخرى، يفرض على اللبنانيين الدعوة الى مقاربة جديدة وجدية وعملية لتحييد لبنان. تحييد لا يتأتى من شعارات او لجان ومؤتمرات تذكّر بما خبرناه جميعا طوال سنين الحرب الماضية وما تلاها. بل مقاربة تدعو الى طرح مشروع وطني لتحييده عن الزلزال الإقليمي بعامة والسوري بخاصة، ومنع الإرتدادات عنه، وليس البحث عن تسوية تاريخية.

الحاجة هي الى مقاربة من خارج السياق تدعو الى فك الحجز ورفع القوالب التي تؤطر اللبنانيين منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بين 8 و 14 آذار، لتشكيل جبهة داخلية وازنة لحماية لبنان، تتجاوز كل الطروحات الضيقة في ظروف استثنائية بالغة الخطورة، بعد تجاوز الحالة السياسية التي نشأت بعد العام 2005.

محاولة الأمين العام لـ"حزب الله" تصوير أن الخطر يتأتى من الجماعات السلفية والتكفيرية السنية، لا يمكنها إخفاء حقيقة أن الكثير من تلك الجماعات نمت وترعرت في كنف اجهزة استخبارية، كشفته منذ سنوات تقارير واعترافات عن علاقة تنظيم "القاعدة" وملحقاته بإيران، بعدما تبين أن المصالح المشتركة تتجاوز العقائد والإيديولوجيات. 

تصريحات الأمين العام شكلت اعلانا غير مسبوق من قبله للنفخ في وقود التحريض المذهبي، مُستحضرا حجة الدفاع عن الأماكن المقدسة، ليزيل الحدود بين لبنان وسوريا وهي محاولة تحمل مخاطر جمة على الحزب نفسه. 

مهما قيل عن مناعة  الحزب وحصانته الداخلية يصعب على المراقب ان لا يعترف ان سوريا بعد الثورة لن تكون سوريا ما قبلها. ومهما كانت السيناريوات  حول مستقبل سوريا، ان شريانا حيويا رئيسا يغذي "حزب الله" سوف يتشظى.