تسبّبت الغارة الإسرائيلية على مواقع عسكرية للنظام السوري في جبل قاسيون ومحيطه قبل أيام ببلبلةٍ لدى بعض معارضي هذا النظام السوريّين واللبنانيّين والفلسطينيّين. كما تسبّبت بارتفاع عقيرة الممانِعين واستجلابهم كالعادة أحاديث المؤامرات والخيانات. في ما يأتي محاولة سريعة لمقاربة الموضوع والتذكير ببعض ما يتّصل به من قضايا. أوّلاً، ليست الغارة حدثاً مستجدّاً، ولو أن لها هذه المرّة دلالات مختلفة. فهي الثالثة هذا العام، وسبقتها عام 2007 – أي قبل أربعة أعوام من اندلاع الثورة – غارات على الحدود مع لبنان ثم على شرق سوريا قرب دير الزور (استهدفت على ما قيل يومها موقعاً كان يُجهّز لاستقبال برنامج نووي كوري المواد والمعدّات). وفي كانون الثاني الماضي، قصف الطيران الاسرائيلي قافلة صواريخ لحزب الله قبل عبورها نقطة الحدود باتجاه الأراضي اللبنانية، كما هاجم الأسبوع الفائت حمولة صواريخ إيرانية في محيط مطار العاصمة. وطبعاً لم تردّ "القيادة السورية" على أيّ من هذه العمليات المنتهكة سيادة "بلدها"، لأن التوقيت والمكان "لم يناسباها". وهذا في أي حالٍ شأنُها منذ العام 1974. ثانياً، تُعدّ الغارة الإسرائيلية خرقاً جديداً لاتّفاقية الهدنة بين دمشق وتل أبيب وعدواناً على أرضٍ سورية، بغضّ النظر عن استهدافاتها. وإسرائيل معتادة في تاريخها ممارسة الاعتداءات: إن في هجماتها على لبنان والمخيّمات الفلسطينية فيه، أو في قصفها المفاعل النووي العراقي خلال الحرب العراقية الايرانية، أو عبر تنفيذ وحداتها الاغتيالات ضد القادة الفلسطينيين في الشتات، أو في مسلسل جرائمها الوحشية ضد قطاع غزة. وما العمليات في سوريا سوى استمرار لفلسفة عدوانيّتها هذه، المتذرّعة دوماً بأمنها، بمعزل عن كل وضع داخلي سوري وبمعزل عن طبيعة المواقع التي ضُربت هذه المرة. ثالثاً، تقع العمليّات العسكرية الإسرائيلية حتى الآن في "سياق" إيراني – لبناني أكثر منه سورياً. فإذا ما استثنينا ضربة دير الزور عام 2007، تأتي باقي الضربات (ومنها ما يُتداول عن الضربة الأخيرة) كاستمرار لحرب تمّوز 2006 وما تلاها من قرار أممي رقم 1701 وافق عليه جميع الأطراف وقتها، وقضى نظرياً بوقف تدفّق الأسلحة الى حزب الله مقابل وقف القصف التدميري الإسرائيلي للبنان. رابعاً، تأتي الغارة الأخيرة عشيّة لقاءات أميركية روسية، وهي تحمل على الأرجح رسالة من واشنطن الى موسكو مفادها أن الولايات المتّحدة قد لا تستطيع "لجم" إسرائيل إن ازداد الانخراط الإيراني المباشر على "حدود" الأخيرة الشمالية. وهذا يعني ربما إصراراً أميركياً على فكّ الارتباط بين موسكو وطهران ليصبح الوصول الى "اتفاق سوري" بين البيت الأبيض والكرملين ممكناً. بالمحصّلة يدفعنا كلّ ما سبق ذكره الى القول إنّ حدث القصف الأخير لا يغيّر شيئاً في تقييم السلوك الإسرائيلي المنتهك القانون الدولي منذ عقود. كما أنه لا يغيّر شيئاً في جوهر المعادلة السورية القائمة منذ آذار 2011، تماماً كما لم يغيّر فيها كل تدخّل خارجي آخر. ففي سوريا اليوم ثورة شعبية يشارك فيها ملايين السوريّين. وهي ثورة من إجل إسقاط نظام فاشيّ يحتّل البلاد ويعتدي على أهلها منذ أكثر من أربعين عاماً. وصراخ أطفال البيضا وبانياس الذين قطّعهم هذا النظام بالبلطات عشية الغارة لم تغطّ عليه أصوات الانفجارات في مستودعات حرسه الجمهوري وفرقته الرابعة. وبالتالي لا قيمة لأي ابتزاز لأشلاء العزّل المذبوحين بِحراب الاستبداد ولا حاجة للردّ على أي تخوين للناجين منهم إن شمتوا بموت قاتليهم أو سكتوا عن الأمر، مهما علا الصراخ واستُدعيت المكائد وتكاثرت التهديدات. فكيف وأن كلّ هذه الجلبة تأتي من كائنات لم تحرّكها طيلة عامَين صوَر مئة ألف قتيل؟!
|