التاريخ: أيار ٥, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
المغرب: عودة اليوسفي إلى الواجهة - محمد الأشهب
باختياره دعم «رسالة المعارضة»، يكون رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الرحمن اليوسفي رهن عودته إلى الساحة السياسية، بعد اعتزال طويل، بانقلاب أبيض هادئ ومثير. فالرجل الذي يعتبر مهندس التناوب بامتياز، وتحمل الكثير من الانتقاد إزاء نقل حزبه (الاتحاد الاشتراكي) من المعارضة إلى الحكومة التي رأسها عام 1998، هو نفسه الذي يدعو اليوم إلى تعزيز وضع الحزب في المعارضة.

بيد أن عودته إلى الواجهة اقترنت بتقديم النصيحة، أكثر من ممارسة العمل السياسي الذي أصر على اعتزاله، يوم بدا له أن طريق «المنهجية الديموقراطية» تعرضت إلى انحراف بعد اشتراعيات عام 2002. وبعد مرور عقد من الزمن، اضطر رفاقه في الحزب إلى الإقرار بأن استمرارهم في الحكومة بعد ذلك المنعطف كان خطأ.

غير أن الوصف الذي أطلقه اليوسفي لجهة الإقرار بالهزائم الخمس لحزبه يختزل ما هو أكبر من خيبة الأمل. إنه الشعور بأن التنظيم الحزبي اليساري الذي ظل يشكل مركز استقطاب صار مفتوح العيون إلى الهزائم التي كانت بانتظاره ونقلته من الصدارة إلى الترتيب.

أهمية هذا الإقرار أن مرجعية النقد الذاتي التي احتمى بها الزعيم الاشتراكي لحض مناصريه على الانتقال من المعارضة إلى ضفة الحكومة هي نفسها التي تستخدم الآن، وإن بطريقة مريرة، لمعاودة بناء الثقة وتفعيل العمل الحزبي والسياسي، في وقت انتزع الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية) صدارة الترتيب من غريمه اليساري في غفلة من الجميع. وإذا كان رفاق اليوسفي يعتبرون مواجهة حكومة عبد الإله بن كيران بمثابة حصان طروادة، فإن الرجل بدا مهتماً بحفظ الذاكرة الوطنية أكثر من أي شيء آخر. ولا شك أنه يذكر كيف أن إسلاميي «العدالة والتنمية» وقفوا إلى جانبه عند تشكيل الطبعة الأولى لحكومة التناوب. وبدا اليوم أنه معني بترسيخ نفوذ الاتحاد الاشتراكي في استحقاقات البلديات القادمة، كونها ستجرى وفق أجندة أكثر أهمية، وتحديداً في ما يطاول بناء نظام جهوي يمنح المحافظات صلاحيات واسعة في التدبير المحلي. ما يعني تراجع نفوذ الحكومة المركزية، أو في أقل تقدير التخفيف من أعبائها الاقتصادية والاجتماعية.

وإذ يتحدث اليوسفي، بعد صمت طويل، عن وسائل تأمين حضور لائق بالحزب اليساري في انتخابات البلديات، فإنه إنما ينقل المعركة من طابعها السياسي الذي يتميز باستمرار نوع من الخلافات الإيديولوجية إلى فضائها الميداني الذي تختبر فيه إرادة الحكومة وحسن التدبير والاقتراب أكثر إلى انتظارات الشارع. ففي فترات الاحتقان السياسي وتناحر المعارضة والسلطة، كانت الأحزاب الرئيسية في المعارضة تستأثر بنفوذ لافت في الحواضر الكبرى، فيما الأرياف شكلت خزان الأحزاب الموالية عبر انتخابات لم تسلم من الانتقاد والتشكيك في نزاهتها.

حتى الآن لم تضع الحكومة أجندة محددة للاستحقاقات المقبلة، وعلى رغم استمرار التنافي بين إقرار دستور جديد وبقاء الغرفة الثانية في البرلمان وفق تركيبة ما قبل الدستور، فالراجح أن إشكالات بلورة معالم النظام الجهوي تتطلب المزيد من الوقت، أقله أن خياراً بهذه الأهمية الاستراتيجية في معاودة بنيات الدولة يحتاج إلى حوار أشمل، فيما أن تطورات ملف الصحراء تلقي بظلالها على خيار كهذا، كون تنفيذه يبدأ من المحافظات الصحراوية أولاً، ثم ينسحب على باقي الأقاليم. وهذه فرصة بالنسبة إلى أحزاب سياسية تعارض حكومة بن كيران، ترغب في استغلالها لتعزيز صفوفها، بعد أن تلقت ضربة قوية في الاشتراعيات السابقة.

لا يبدو أن رهان الاتحاد الاشتراكي في العودة إلى الواجهة ينفصل عن مجمل معادلات الصراع السياسي، فهو من جهة يصف الحكومة بـ «التيار المحافظ» ذي النزعة اليمينية، على رغم أن الائتلاف يضم حزباً يسارياً، ومن جهة ثانية يتوق لإحياء فريق «الكتلة الديموقراطية» الذي كان يجمعه إلى جانب الاستقلال والتقدم والاشتراكية. وقد التقط حميد شباط زعيم «الاستقلال» الإشارة ودخل في مواجهة مفتوحة مع الحكومة التي يشارك فيها حزبه، استخدمت فيها كل الأساليب وفي مقدمها البعد الأخلاقي عندما اتهم وزيراً بأنه جاء إلى البرلمان في وضع غير طبيعي، ما اضطر الحكومة إلى إصدار بيان تستنكر فيه ذلك «التشهير».

والواقع أن الهاجس الانتخابي لا يتحكم في أجندة فصائل المعارضة وحدها، بل إن أطرافاً في الائتلاف الحكومي تميل إلى تحسين سجلها بإرضاء رغبات الناخبين. ما يعني أن مفعول الصدمة التي أحدثها فوز»العدالة والتنمية» في الاشتراعيات السابقة لا يزال يؤثر في معادلات اللعبة السياسية. وقد يكون الاتحاد الاشتراكي تحديداً اختار العمل بنصيحة اليوسفي، لما يطبع شخصيته من تقدير، لكن يبدو اليوسفي مستعداً للقيام بدور في المرحلة المقبلة، أم أنه سيكتفي بإسداء نصح يعفيه من تحمل أي مسؤولية، وبذلك يستمر كرجل دولة اختار طريقه في الوقت الملائم.