الأزمة السورية تبدو اليوم مهيمنة على المشهد السياسي الأردني، وتمتد (ربما أكثر من اللازم) إلى كل القضايا والجدالات الأردنية الداخلية. قبل سنة ونصف السنة علق حازم الأمين قائلاً: اللبنانيون منشغلون بالأزمة السورية أكثر من اللازم، والاردنيون منصرفون عنها أكثر من اللازم! الأردن (الرسمي) يسير وفق الإيقاع الإقليمي والعالمي: إيواء اللاجئين واستيعابهم، والموقف المتردد تجاه التدخل القوي والحاسم في دعم الثورة، ومساعدات فنية ولوجستية وعسكرية محدودة للمعارضة تقدم في إطار سري، أو غير معترف به، ولكن النظام السياسي الرسمي في الأردن بكل مكوناته يبدي مخاوف من هيمنة الإخوان المسلمين على الحكم في سورية في المستقبل، يريد سورية جديدة من غير إخوان مسلمين، صار الإخوان المسلمون هاجساً مزعجاً لجميع/معظم الحكومات والنخب العربية. وعلى رغم أن الدولة الأردنية تملك فرصة قوية لبناء تحالف وشراكة جديدة مع الإخوان المسلمين في الأردن قائمة على دعم الثورة السورية وتأييدها، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا الخارجية والداخلية الممكن الاتفاق عليها، ولكن النظام السياسي يريد دعم الإخوان وتأييدهم من غير مشاركة سياسية او مكاسب يحصلون عليها. والإخوان المسلمون أيضاً يتطلعون إلى حصة أكبر بكثير مما يمكن أن يعرض عليهم، ويتبرعون على نحو محير ومريب بإثارة القلق والكراهية لدى معظم الفئات السياسية والاجتماعية! وليس سراً أن ثمة نخباً سياسية واقتصادية تحولت إلى طبقة تهيمن على الفرص والمكاسب السياسية والاقتصادية وعلى السياسات والتشريعات والقرارات، وهي في ذلك تواصل عمليات متراكمة متوارثة منذ تسعين عاماً. هذه الطبقة تشعر بقلق كبير على مصيرها ومستقبلها، ولا تتردد في قرارات وتوجهات بالغة الفجاجة والتطرف في مواجهة المطالب الاجتماعية والاقتصادية والعدالة والكرامة التي تطالب بها المجتمعات. وهي لأجل ذلك مستعدة للمغامرة بالتحالف مع النظام السياسي في سورية، أو ترفض وعلى نحو لا عقلاني وأقرب إلى الهستيري القادمين الجدد إلى التأثير والمشاركة في سورية والأردن أيضاً! لا يمكن بالطبع، ولا يجوز سياسياً وأخلاقياً، أن يظل العالم يتفرج على الدمار والجرائم بحق الإنسانية، ولا بد من أن يكون للأردن دور أساسي في وقف الجرائم هذه. صحيح أن الأردن بلد محدود الإمكانات والموارد، ولكنه شريك فاعل ومهم للمجتمع العالمي، وهو أيضاً متضرر، على نحو مباشر وكبير جداً، مما يجري في سورية، ولديه مصالح كبرى واستراتيجية في إنهاء الصراع في سورية على نحو يعود عليه وعلى المنطقة بالسلم والاستقرار، ولا يمكن أيضاً أن ننظر إلى الكارثة الإنسانية في سورية وكأنها مجرد أحداث بعيدة عنا ولا تعنينا، فهذا لا يليق بنا إنسانياً، وهي أحداث تعنينا اليوم على نحو مباشر، ذلك أن استمرار تدفق اللاجئين بهذه الأعداد الكبيرة، يجعل الأردن ليس عاجزاً عن إيواء اللاجئين واستيعابهم فقط، ولكنه سيعجز أيضاً عن توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين الاردنيين والمقيمين في الأردن بأعداد كبيرة جداً للعمل أو في هجرات سابقة مروعة! الماء والكهرباء والاتصالات والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والطرق والمساكن والمرافق والبنى التحتية تتعرض اليوم لضغط كبير يفوق قدرتها على البقاء والاستمرار، وهي ابتداء تعاني من ضعف وخلل كبيرين. وبالطبع، فإننا نسخر من أنفسنا حين نقول إننا نؤيد الثورة السورية ولكننا نرفض التدخل الخارجي، ومن غير الولايات المتحدة وحلف الأطلسي يمكنه أن يريح العالم من النظام السياسي في سورية ويريح النظام من نفسه أيضاً؟ هذه العبارة التي يكررها مثقفون وسياسيون في الأردن عن رفض الدور الأميركي في سورية مثيرة للشفقة على أصحابها ولا يمكن فهمها غير إشارة إلى انفصام حاد في الشخصية يحتاج إلى تدخل علاجي طبي، ولكن الأكثر غرابة أنها متقبلة وشائعة وكأنها فكرة صحيحة وعملية من دون أن يرغب أصحابها ومؤيدوها في ملاحظة الحضور الأميركي والغربي في كل شؤون حياتهم اليومية، من الدواء والغذاء والسلاح والاجهزة والسلع، وأنهم بغير هذا الحضور غير قادرين على البقاء على قيد الحياة! * كاتب أردني
|