التاريخ: نيسان ٢٥, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مصر: تدريب في الخيال السياسي! - السيد يسين
نقصد بالخيال السياسي على وجه التحديد إعمال العقل والمخيلة معاً لصوغ رؤى متكاملة لحل مشكلات الحاضر، والاجتهاد –بناء على روح التوافق السياسي الضروري في أي ديموقراطية- في التوصل الى حلول خلاّقه للأزمات السياسية في المجتمع.

أجاد أحد قرائي الكرام في وصف مقالي عن "التفرقة الجائرة بين المنتجعات والعشوائيات" حين وصفها بأنها أشبه "باستراحة محارب وإلقاء نظرة على الواقع الاجتماعي المؤلم بمساعدة القراء".
غير أن قراء آخرين رفضوا أن يترك الكاتب الصراع السياسي المحتدم، وينشغل بقضايا الفقر والعشوائيات، وضرورة الشروع في تنمية شاملة بناء على رؤية متكاملة.
وقد أبرز هذا الاعتراض الأستاذ عمرو أبو ثريا حين طرح سؤالاً مباشراً "هل لا علاقة للاقتصاد بالسياسة؟ أم أن السياسة هي التي توجه الاقتصاد؟".

وعزفت قارئه أخرى توقع باسم "اسكندرانية" على النغمة نفسها حين أعطت تعليقها عنواناً دالاً هو "الوضع السياسي أهم من الوضع الاقتصادي"، وتساءلت "كيف يتطور الوضع الاقتصادي وأركان بناء الدولة الدستورية لم تكتمل بعد؟".

وأعترف أن هذه التعليقات الرافضة لتركيزي على القضايا الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية بعيداً عن التحليل المستمر للصراع السياسي الدائر في البلاد نجحت في استدراجي مرة أخرى للانصراف مؤقتاً عن تحليل الأوضاع الاقتصادية المتردية، والمشكلات الاجتماعية المتفاقمة التي يعاني منها ملايين المصريين بعد الثورة، لكي أعود إلى المربع الأول لأحلّل أبعاد المشهد السياسي الراهن.

وحتى لا أكرر تحليلاتي السياسية السابقة التي استمرّت أكثر من عامين بعد وقوع الثورة، قررت أن أجري تدريباً في الخيال السياسي لأرى هل يصلح لحل الأزمة السياسية الراهنة أم لا.
وقد تبلورت الفكرة في ذهني في غمار مناقشة مع أحد أصدقائي الذي قال بعفوية إن مشكلة الإخوان المسلمين أنهم يفتقرون إلى العقلانية والخيال السياسي!

وحتى لا أتهم بأنني متحيز تحيزاً مطلقاً ضد حكم "الإخوان" أقرر بكل موضوعية أنهم لا يفتقرون إطلاقاً إلى العقلانية، ولكنهم ابتدعوا عقلانية خاصة بهم تتجلى في التنفيذ الدقيق لمشروعهم والتي – وفق أدبياتهم الموثقة- تبدأ بتربية الفرد المسلم وصولاً إلى "أستاذية العالم"- كما زعموا- بعد أن يتجاوزوا سلماً أو عنفاً الدول المدنية القائمة ويقيموا الدول الدينية تطبيقاً لمذهب ولاية الفقيه على الطريقة السنية!

ونقصد بذلك تحكيم فهمهم الديني في السياسة والاقتصاد والثقافة. والدليل على ذلك مشروعهم عن الصكوك الإسلامية، والتي هي مجرد سندات مالية معروفة، ولكنهم أبوا إلا أن يعطوها صفة "الإسلامية" مما أوقعهم في مأزق، لأن الأزهر الشريف اعترض على بعض مواد المشروع على أساس أنها تخالف الشريعة. إلا أنني أقبل تماماً ما قيل عن أن الإخوان المسلمين يفتقرون افتقاراً شديداً إلى الخيال السياسي!

وحاجة جماعة "الإخوان المسلمين" للخيال السياسي أشد من حاجة أحزاب المعارضة، لأنهم يحكمون فعلاً وفي يدهم السلطة المطلقة بلا معقِّب، وبالتالي ليس من مصلحتهم إطلاقاً بقاء المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الموروثة من العهد الماضي بغير حلول جذرية، كما أنه يضرهم بشدة الدخول في معارك عقيمة مع القضاء، أو القوات المسلحة، أو الإعلام.

أكتب هذه السطور بعد يوم واحد من مليونية تطهير القضاء التي نظّمتها جماعة "الإخوان المسلمين" الحاكمة وكأنها – وبا للغباء- تريد أن تهدم أحد الأعمدة الرئيسية للدولة، تماماً مثلما وجهوا بغير حق سهام نقدهم للقوات المسلحة، وسرعان ما تراجعوا واعتذروا بعدما أحسوا أن هذه محاولة فاشلة، لأن الجيش بتاريخه المضيء هو درع الوطن وسيفه، وهو الذي دافع عن مصر منذ محمد علي حتى الآن، وسقط منه آلاف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن.

والسؤال هنا الذي يدخلنا في صميم التدريب على الخيال السياسي الذي نقترحه هو ما الذي يمكن الإخوان المسلمين أن يقدموه كمبادرة لخروج البلاد من المأزق السياسي الذي نعيش فيه، منذ أن أعلن الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية إعلانه الدستوري الباطل والذي أدى إلى الاحتقان المجتمعي المستمر الذي مازلنا نعاني من ويلاته؟

لقد بادرت "جبهة الإنقاذ" وعدّلت موقفها من الانتخابات، وقررت منذ أيام العدول عن مقاطعة الانتخابات ما كان يجعلها شاءت، أو لم تشأ، تعبر من معارضة النظام بطريقة ديموقراطية إلى الانشقاق عليه بصورة انقلابية، لأن مقاطعة الانتخابات كانت ستتبعها بالضرورة الدعوة للعصيان المدني، وعدم الاعتراف بنتيجة "الصندوق" الذي يتشبث به "الإخوان" تشبث الغريق بخشبة طافية على سطح مياه المحيط!

قررت المعارضة دخول الانتخابات، ووضعت شروطاً مقبولة لذلك، هي المشاركة في صوغ القانون الخاص بها، وضرورة الرقابة الدولية ضماناً لنزاهة الانتخابات. ويبقى السؤال ما هي المبادرة الإخوانية التي نقترحها؟

تتضمن هذه المبادرة قرارات استراتيجية ضرورية عدة من شأنها أن تهدئ من حركة الشارع المنفلتة والزاخرة بتظاهرات متضاربة من كل نوع.

القرار الأول هو تشكيل لجنة تتمثل فيها المعارضة للنظر في تعديل مواد الدستور المختلف بشأنها.

القرار الثاني "تغيير" ولا نقول "إقالة" وزارة هشام قنديل التي أجمعت كل الآراء على فشلها الذريع بما فيها جماعة الإخوان نفسها، وتشكيل وزارة جديدة برئاسة شخصية غير إخوانية تحظى بالاحترام والتقدير العام.

القرار الثالث أن ينفذ النائب العام توصية المجلس الأعلى للقضاء ويترك منصبه اختياراً، مما يتيح الفرصة لترشيح عدد من القضاة وتقديم أسمائهم للسيد رئيس الجمهورية لاختيار نائب عام جديد.

القرار الرابع مشاركة قوى المعارضة في صوغ القانون الخاص بمباشرة الحقوق السياسية، ووقف التلاعب المكشوف بتقسيم الدوائر.

القرار الخامس إلغاء المواد التي تجيز استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، لأن من شأنها إثارة الفتن الدينية في وقت تعاني فيه البلاد من الاحتقان الطائفي.

القرار السادس: بعد إعلان نتيجة انتخابات مجلس النواب، وأياً يكن الحزب الذي سيفوز بالغالبية أو الأكثرية، وبناء على توافق سياسي، يتم تشكيل وزارة ائتلافية تمثل فيها الأحزاب السياسية على تنوعها بما في ذلك أبرز الائتلافات الثورية.

وأهمية هذا القرار بالذات أن مشكلات مصر من الجسامة بحيث لا يستطيع فصيل سياسي واحد بمفرده حلها، وتحتاج المسألة إلى حشد كل القوى السياسية كفريق متجانس يحكم البلاد، مع الاستفادة من كل الرؤى الاستراتيجية التي سبق لكتابات الباحثين الوطنيين أن أنجزتها. 

 لو طالبت جماعة الإخوان المسلمين أن تشحذ خيالها السياسي ويتقدم قادتها وعلى رأسهم الدكتور مرسي رئيس الجمهورية بهذه المبادرة هل أُعد حالماً أم أن مصلحة البلاد العليا تتطلبها، حتى يكتمل البناء الدستوري للدولة في هدوء بلا مليونيات ولا تظاهرات، وحتى يأخذ الشعب المناضل حقه الأصيل في إشباع حاجاته الأساسية التي نادت بها ثورة 25 يناير؟