لماذا لم يقتنع الغرب بعد بضرورة التدخل في سورية سواءً عبر الغطاء الجوي «المكلف» أو حتى عبر التسليح «الأقل كلفة» بما يحسم المعركة لمصلحة الثوار السوريين؟ أبعد من هذا، لماذا ترى الحكومات الغربية أن مصلحة شعوبها تكمن في إبقاء التوازن الراهن في سورية مع ما قد يحمله في الأفق المنظور من إرهاصات صوملة، بلقنة، أو حتى عرقنة، على أن تتدخل لحسم الأمور كما فعلت في ليبيا لمصلحة الثوار؟ أيضاً وأيضاً، لماذا لمّا يزل الغرب ومعه إسرائيل يرون في النظام الحالي، بقاياه المتهرئة على الأقل، أو حتى في الفوضى المحتملة عن بقائه فترة أطول، ضمانةً أكثر من النظام الذي قد تنتجه الثورة السورية؟ ولماذا يصرون بالتالي على إشراكه أو حتى بقاياه في الحل السياسي المُزمع؟ على أن الأسئلة السابقة ليست برسم الغرب، وإنما برسمنا نحن السوريين، ربما لأن بيوتنا هي التي تتهدم، وأسرنا هي التي تتهجر، وأطفالنا هم الذين يموتون، وربما لأن الأوان قد حان لفهم الطبيعة البراغماتية للسياسة الغربية، القاع المنفعي لها، ووقوف منظورها الإنساني على تخوم مواطنيها ومصالحهم، هذا كله ينبغي ألا يعيب الغرب أو يقلل من شأنه، وإنما يعيبنا لأننا أضعنا من الوقت ما يكفي ونحن أسرى لسياسات ديماغوجية بائسة أعلت من كل شيء إلا مصالح مواطنينا وحرياتهم. إذن، لا بد أننا ارتكبنا خطأً كبيراً في مكان ما، ربما أننا لم نطمئن الغرب بما يكفي إلى أن سورية ديموقراطية ومن دون الأسد ونظامه ستكون أفضل للغرب ومواطنيه، وربما لم نؤكد للساسة الغربيين أن الديموقراطيات لا تتحارب، وأن أمن إسرائيل بالتالي محفوظ، هذا إن لم نقل أنها ستغدو أكثر أماناً بجوار سورية ديموقراطية عما هي عليه بجوار سورية الأسد، أو حتى بجوار سورية مدمرة وتعمها الفوضى، وربما أن الغرب يحتاج أكثر من التطمين، الدوران في فلكه الإستراتيجي ربما، وربما الخضوع لبعض رؤاه في ما يخص التموضع الخارجي للسياسة السورية المقبلة، ولمَ لا؟ أقلّه في البداية، وأقلّه ريثما نقف على أقدامنا ونحسن وضعنا في التفاوض المحتوم المقبل الذي سيخوضه أبناؤنا غداً بعد عقود، وهم يمتلكون بُنى وطنية قوية على ما نرجو، والأهم على ما نعمل. الأهم في هذا كله ألا ننظر إلى السياسة الغربية نظرة جامدة أو ديماغوجية، كذلك ألا نظن مخطئين أننا نستطيع أن نتفاوض الآن على المساعدة من موقع الندية، هذا محال، وقد ندفع أثماناً باهظة لهكذا نظرة تمس كياننا الوطني، ووحدة ترابنا، وقد تصل في مكانٍ ما لوجودنا كسوريين، لأن ما حصل اليوم قد لا يكون قعر المأساة، وثمة أهوال أكبر مقبلة، ولا يزال في مخزون الأسد الاستراتيجي من القدرة على إلحاق الأذى، الدمار، والقتل، ما قد يدفع الأمور إلى شفا هاوية كارثية لا تُحمد عقباها. على أن كل ما سبق يغدو تنظيراً بحتاً في غياب عقل جمعي للثورة السورية، أو حتى قرار سياسي موحد لها، وهذا يطرح بدوره إشكالية جوهرية تخصنا كسوريين هذه المرة أيضاً، إذ يبدو من اللامعقول أن نعتقد أن بإمكاننا خوض غمار هذه التحديات الوجودية العِظام ونحن على هذه الحال، ربما الوقت قد حان للقوى الفاعلة في الثورة السورية أن تجلس مع بعضها قليلاً، وتتباحث في ما تريد، هذا لن يأخذ من وقتها الكثير، فضلاً عن أن سياسة الغموض الخلاق التي ارتأتها أول الثورة، ومعها اللامركزية المطلقة في أخذ القرار قد غدت ضارة، وهي قد تكون وبالاً على السوريين إن هي استمرت على هذا النحو الخَرِق. يقع اليوم على كاهل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، المجلس الوطني والقوى السياسية الأخرى، الجيش الحر، قيادة أركانه، قادة الكتائب المنضوية تحت لوائه، وكذلك التنسيقيات والمجالس المحلية في مناطق الداخل المحررة، وتلك التي لم تزل تحت سيطرة النظام، أن تتوافق على رؤىً وطنية واضحة للحل، تسلسل واضح للقيادة، وعلى طريقة للخروج من هذا المأزق الوجودي الخطير الذي تعبره البلاد، إذ لم يعد من المقبول التحجج بعدم ملاءمة الظروف أمام الهول الراهن، هذا واجبها على أي حال تجاه الناس الذين قبلوا وعد الثورة السورية، وانحازوا إليه على رغم الوبال الأقصى الذي كان يتهددهم به النظام إن هم أقدموا على هذا الفعل. لقد غدا من الواجب على الثورة السورية أن تمارس السياسة، وأن تكون غاياتها النهائية أقلّه لأبنائها واضحةً بيّنة، اللّهم إلا إذا كان المطلوب لثورة السوريين بما تمثله من تضحيات أن تغدو خبط عشواء، لا تدري أيان تمضي، وتنوي على سذاجة الطرح أن تُسقط النظام بالمصادفة.
|