كثيرة هي العناوين التي تصدّرت المقابلة الأخيرة التي أجرتها الفضائيّة السوريّة مع الرئيس بشّار الأسد. فالبعض ركّز على تصعيده حيال حكّام تركيا، وهذا ليس جديداً، وثمّة من شدّد على مخاطبته الغرب عبر التخويف من «القاعدة»، وهذا أيضاً ليس بالجديد. أمّا تجاهله لبنان فامتداد لسياسة قديمة ومعروفة. العنوان الأوحد الذي يستحقّ أن يتصدّر المقابلة هو الكلام السلبيّ الصريح تجاه الأردن. والجدّة، هنا، نابعة من جدّة الموقف الأردنيّ نفسه في المشاركة، على نحو أو آخر، في الصراع السوريّ. ذاك أنّ الأخير إنّما فاض عن الحدود السوريّة التي غدت بالغة الهشاشة، وهو ما لا يمكن الأردن، الضعيف والفقير والصغير، احتماله. فهو يعيش الخوف من «القاعدة» وأخواتها، وهي التي تركت بصمتها الدمويّة في فنادق عمّان، ويخشى محاولتها ملء الفراغ الذي يتركه رحيل بشّار، إن لم يكن في سوريّة كلّها، ففي أجزاء منها. لكنّ الأردن يعيش أيضاً خوفاً آخر من بقاء اللاجئين السوريّين فيه ومن تدفّقهم عليه في ظلّ عجز الاقتصاد الأردنيّ المتواضع القدرات عن الوفاء بالالتزامات التي يرتّبها ذلك. ثمّ، وبعد ضربها المنشأة قرب دمشق، هناك الخوف الأردنيّ المشروع من أن تدسّ إسرائيل أنفها في الموضوع السوريّ، على ما ألمح بنيامين نتانياهو قبل أيّام، لخوفها من وقوع أسلحة نوعيّة في أيدي المتطرّفين. هذا فضلاً عن المخاوف الأردنيّة وغير الأردنيّة من احتمالات استخدام النظام السوريّ أسلحته الكيماويّة. يعزّز هذا التقدير ما رشح عن وجود عسكريّين أميركيّين في الأردن، بغضّ النظر عن عددهم، وعمّا تردّد عن مرور أسلحة من الأردن إلى سوريّة ربطها البعض بالتمهيد لمعركة دمشق الحاسمة، فضلاً عن الأهميّة التي عزاها مراقبون إلى اللقاءين المتلاحقين اللذين جمعا الرئيس باراك أوباما والملك عبدالله الثاني. لكنّ المستغرب ليس أن ينخرط الأردن، على نحو أو آخر، في الأزمة السوريّة. المستغرب هو أن يتأخّر في انخراطه. فإذا كان الموقف من سوريّة سبباً للنزاع بين اللبنانيّين، فإنّه سبب لتمتين الإجماع الوطنيّ بين الأردنيّين. ومتى تذكّرنا العلاقة السيّئة بين العرش والكتلة الإسلاميّة في الأردن، جاز لنا أن نتذكّر الثمانينات، حينما وفّر الموقف من الحرب العراقيّة – الإيرانيّة مساحة مشتركة بين السلطة والإخوان المسلمين الأردنيّين. فهل يتكرّر أمر كهذا حيال الأزمة السوريّة، علماً أنّ الموقف المعارض للاستبداد السوريّ أشدّ أخلاقيّة بلا قياس من الموقف المؤيّد حينذاك للاستبداد العراقيّ؟ يجازف المرء بهذا التقدير وهو على بيّنة من طبيعة السياسة الخارجيّة في عمّان، والتي تتّصل اتّصالاً وثيقاً بطبيعة الاقتصاد المحدود الموارد والقدرات. فالأردن الذي يقيم في قلب الأزمات العربيّة الكبرى، قريباً من فلسطين وإسرائيل وسوريّة والعراق، واستطراداً إيران، لا يسعه البقاء خارج الإجماع العربيّ أو خارج الإجماع الغربيّ. فكيف حين يتقارب هذان الإجماعان بحيث يكادان يصيران واحداً. والأردن، الخبير منذ الخمسينات بانتزاع فرص الحياة من أشداق الاستحالة، لا يمكن أن يُبقي نفسه في استحالة مميتة كالتفرّج على ما يجري في سوريّة، ضدّاً على الإجماعين. فكيف إذا صحّت تلك الفرضيّة التي تقول إنّ جائزة فلسطينيّة كبرى تنتظر عبدالله الثاني، من غير أن يكون الرئيس محمود عبّاس بعيداً عن تقديمها، وأنّ هذا كلّه وثيق الصلة بما ينوي وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري مباشرته قريباً؟
|