التاريخ: نيسان ١٣, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
بؤس «الإصلاح بالإبادة» - ممدوح الشيخ
كلمات قليلة في خطاب للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي عن التضحية بالبعض حتى تعبر السفينة، دفعتني للعودة إلى كتاب مرجعي أقدره كثيراً هو: «أسس التقدم عند مفكري الإسلام» للدكتور فهمي جدعان لاختبار ذاكرتي!

فهذه الكلمات صدى لفكرة متبلورة – وإن لم تكن السائدة – في الفكر الإسلامي الحديث تضفي مشروعية على «إبادة» البعض لتحقيق النهضة. والفكرة كما يروي الدكتور جدعان وقع فصل من فصول السجال حولها عندما حدث ما يسمى «الانقلاب الدستوري» (1908) في الفصل الأخير من فصول تاريخ الدولة العثمانية. وقد تلى الانقلاب عملية واسعة للتخلص من الخصوم السياسيين بالوسائل الاستثناية بعيداً من القانون الطبيعي. واستدعاء «الإجراءات الاستثنائية» كحل للأزمة السياسية في مصر تكرر غير مرة في الخطاب الرسمي ويتكرر بلا حصر في دعوات للضرب بحسم والتعامل بصرامة مع المعارضين.

وبحسب جدعان أثارت هذه الإجراءات نقاشاً واسعاً وبعض الكتّاب المسلمين أيدوا «شنق» بعض علماء الدين، وكتب مصطفى الغلاييني – العربي الاتحادي – في حزيران (يونيو) 1909 مؤكداً أن اللجوء إلى المحاكم يضيع وقتاً كبيراً، فلا تتمكن الدولة من قطع دابر الشر، وهو يرى هذه العدالة المباشرة البعيدة من يد القضاء نوعاً من «المصلحة المرسلة».

ولعل هذا يشير إلى تجذر فكرة «العدالة الناجزة» التي شهدت مصر أخيراً بعضاً من فصولها الدموية قام فيها مواطنون بإعدام أشخاص وسحلهم، وأحياناً تعليق جثثهم علناً في شكل لا يقره شرع، والأخطر أنهم أطلقوا على ذلك تطبيقاً لـ «حد الحرابة».

وقد وصف ضحايا الإجراءات الاستثنائية بأبشع الأوصاف فضلاً عن وصف من دافعوا عن ضرورة كفالة المحاكمة العادلة لهم، فكتب أحد مؤيدي هذه الإجراءات أنه لا يتألم من «إبادة هذه الجراثيم والحشرات» إلا أحد رجلين: «رجل رجعي باع وجدانه في سبيل غايته الفاسدة»، أو «رجل جاهل» يعذر لعدم تبينه الفائدة من إبادة «هؤلاء الطغام». والخطير – بل الخطير جداً – في دفاع هؤلاء عن هذه المسالك الدموية ما ينقله جدعان في كتابه قائلاً: «ومن ناحية ثانية ليس ثمة شك في موافقة هذه الأحكام للشريعة المطهرة التي ما أنزلت على الرسول إلا لتطهير الأرض من الفساد وإصلاح النفوس التي تلوثت... وكيف تمنع شريعة هذا شأنها من حكم عادل يطهر الأرض ويقمع الفساد ويمحق أهل الظلم». وتأتي الصدمة الأكبر في ما ينقله جدعان من تبريرات فقهية وهو قول الغلاييني «لقد جوز فقهاء المالكية إبادة الثلثين لإصلاح الثلث». وفي تشابه لافت مع دعوات البعض لتطبيق «حد الحرابة» على معارضي السلطة الحالية في مصر يقول الغلاييني لقد قال الله في حق هؤلاء: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ...»، إلى آخر الآية. ولكن الغلاييني لا يطيق صبراً على البحث عن مرجعية فقهية لما يؤيده فيقول: «ولو لم يكن هناك دليل شرعي على جواز هذا الحكم فإن العلماء ذكروا أن للحاكم أن يعمل لما فيه المصلحة للأمة والمصلحة اليوم باستئصال هؤلاء الفسادين وقطع دابر المتقهقرين». (من الطبعة الثانية من كتاب أسس التقدم عند مفكري الإسلام صفحة 305 وما بعدها).

فهل الشريعة فعلاً تجيز هذا؟


* كاتب مصري