التاريخ: نيسان ٩, ٢٠١٣
الكاتب:
المصدر: nowlebanon.com
لواء كفّار قريش
تناقلت صفحات "الفايسبوك" السورية في الأيام الأخيرة شعاراً طريفاً وبليغاً جاء فيه: "قرّر الجيش الحرّ طمأنة الغرب وتهدئة مخاوفه من الإسلاميين، فأسّس لواء كفّار قريش بقيادة العقيد أبو لهب لنشر راية الكفر في بلاد الشام... سلّحونا يا عرصات".
 
وإذا كانت الطرفة واضحة في شعارٍ اختار "كفراً" وظلّت مرجعيّته البيئة الإسلامية وتاريخها، ثم عطف عليه شتيمة "شعبية" للغرب مع تأكيد الرغبة بالحصول على مساعدته إن شاء تقديمها، فإن البلاغة فيه تصيب أمرين مهمّين يرتبطان بمسالك الحالة السورية التي نعيش.
 
الأمر الأول أخلاقي، إذ يعكس الشعار ببضع كلمات ساخرة ما نُعايـنُه في سوريا منذ عامين تقريباً، ولو على قاعدة تبريرات مختلفة: ترك شعب يُذبح من نظام فاشي بحجّة أن المقاتلين من أبناء هذا الشعب "إسلاميّون". وهذا يعني أن هويّة المقاتلين المفترضة تُبيح الصمت أمام ذبح أطفالهم وعائلاتهم (وذبحهم طبعاً) وتدمير بلداتهم ومدنهم بالطيران وبالصواريخ الباليستية، وأن مشروطية بيع السلاح أو تزويد أناس به للدفاع عن أنفسهم وعن حقّهم في الحياة تتحدّد وفق هوياّتهم الثقافية والسياسية ومظاهرهم ومفرداتهم كما يقيّمها "المعنيّون" في الدول الغربية المصدّرة للأسلحة.
 
الأمر الثاني سياسي، وفيه يبرز استمرار حاجة الثورة السورية الملحّة الى التسليح، وما يعنيه الأمر من علاقات مع المتوفّر من مصادر هذا التسليح. وينبغي القول هنا إن لا ثورة ضد استبداد ولا حركة تحرّر وطني في التاريخ الحديث لم تتلقَّ مساعدات ودعماً من "خارج" حدود بلادها، بشكل أو بآخر. والثورة السورية ليست بهذا المعنى استثناءً، وليس في طلب العون ما يُعيبها حين تواجه نظاماً على هذا القدر من الهمجية كما من الاستحواذ على المساعدات الروسية والإيرانية. لكن ما يجعل علاقتها بأبرز داعميها الخارجيّين (قطر والسعودية) إشكاليةً هو أن ما يقدّمونه لها من دعم عسكري وإغاثي يبقى دون الحدّ الأدنى المطلوب، في وقت تسدّد هي لقاء تلقّيه فاتورة مرتفعة بالدم وبالتشظّي التنظيمي وبالولاءات الصغيرة.
 
و"الغرب" (أي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية تحديداً) يستطيع تعديل الوضع هذا إذا اعتمد بنفسه سياسة التسليح وجعلها عالية الفعالية، متعاوناً مع الضباط المنشقين أو مع مجموعات المتطوّعين المحليّين. وعدم قيامه الى الآن بذلك، للحجج التي دأب على ذكرها، إنما يساهم في إطالة أمد القتال ويضاعف من الخسائر الناجمة عنه، ويعزّز القوى الأكثر تجهيزاً وانضباطاً في الميدان والجبهات، أي تلك التي تُعلي هويّة إسلامية (محقّقاً لها ما كرّر تخوّفه منه!).
 
التسليح النوعي للثوّار، صار إذن واحداً من أهمّ مفاتيح حسم الصراع أو تعديل توازناته جذرياً. وكل تأخير إضافي فيه يعني تمديداً لأوجه كثيرة من معاناة السوريّين وتكريساً لكثير من الظواهر المرضيّة الآخذة في الانتشار.... فسلّحوهم يا....