ثلاثة أسابيع من المشاورات النيابية مع رئيس الديوان الملكي، لاختيار رئيس وزراء لأول حكومة برلمانية، ومثلها للتوافق مع الكتل النيابية على تشكيلة الحكومة العتيدة، انتهت إلى لاشيء. حكومة تقليدية تشكل في أربع وعشرين ساعة!أدركت الدولة بعد كل هذا الوقت أن البرلمان الجديد غير مؤهل لإفراز حكومة برلمانية تتصدر برنامج الإصلاحات السياسي، فعاد الرئيس المكلف عبدالله النسور إلى الآلية القديمة والبالية في تشكيل الحكومات؛ رمى خلف ظهره ترشيحات الكتل النيابية، وبعد أخذ ورد لأسابيع طويلة اعتكف يومين لتشكيل حكومة مصغرة، وزعت فيهما الحقائب الوزارية بالجملة؛ وزارتان لكل وزير، وثلاث وزارات أحيانا، وزراء يستدعون في الساعات الأخيرة، ووزراء حاليون يستبعدون من السباق في اللحظات الأخيرة. التشكيلة بمجملها ظلت سرا حتى أداء القسم، تماما كما كان يحصل طوال العقود الماضية.ماذا تغير إذا؟ أين هي الحكومة البرلمانية المستقرة لأربع سنوات؟ ولماذا أهدرنا كل هذا الوقت، إذا كانت الحكومة ستشكل بنفس الطريقة السابقة؟ ببساطة، لقد فشلنا، ولمداراة الفشل لجأ الرئيس المكلف إلى حيلة الحكومة المصغرة، وهي في الواقع حكومة انتقالية خامسة لن تعمر أكثر من أشهر معدودة. أي أننا سنبقى في حالة من التخبط لأشهر إضافية.وفي مسعى لشراء الوقت وكسب ثقة النواب، قدم الرئيس عرضا مغريا للنواب: اعطوني الثقة اليوم، وسأضمكم لحكومتي في الدورة النيابية المقبلة. عرض ينطوي في جوهره على رشوة النواب ليكونوا شركاء في التغطية على الفشل.ردة الفعل الأولى من جانب النواب اتسمت بالذهول لا بل الصدمة؛ الرئيس المكلف لم يأخذ بترشيحاتهم باستثناء وزيرين أو ثلاثة، وتجاهل مطالب من رشحوه بالتفاهم على برنامج الحكومة وتشكيلتها قبل إعلانها. لاشك أن النسور نجح في اجتذاب عناصر تكنوقراطية نظيفة ومسيسة إلى حكومته؛ الدكتور إبراهيم سيف، المهندس وليد المصري، ريم أبو حسان، والدكتور محمد المومني. كما أن تولي مدير الأمن العام الفريق حسين المجالي وزارة الداخلية يبعث برسالة تطمين للحراك السياسي في البلاد. فقد التزم المجالي بسياسة الأمن الناعم مع الشارع باستثناء حالات محدودة تم فيها استخدام القوة المفرطة. ويؤكد مقربون أن الرجل، ومن موقعه السابق، كان صوتا داعما للعملية الإصلاحية داخل أروقة صناعة القرار.لكن سياسة دمج الوزارات سترهق كاهل الوزراء مهما بلغت طاقتهم. وقد أثبتت تجارب سابقة أن الوزارة الثانية ستكون ضحية لهذا النهج. ففي الحكومة السابقة لاحظ موظفو إحدى الوزارات أن وزيرهم الذي يحمل حقيبتين لم يدخل وزارتهم لمدة 18 يوما متتالية.في كل الأحوال، هذه تفاصيل، وتبقى الحقيقة المرة في أن مسار الإصلاح الذي بدأ قبل عامين يجاهد للبقاء على قيد الحياة، لدرجة اضطر معها أصحاب القرار للعودة للحالة الانتقالية من جديد، مرحلة ماقبل الانتخابات النيابية الأخيرة.
(الغد) |