التاريخ: آذار ١٨, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
مأساة الثورة.. وميزتها! - محمد صلاح
رغم حال الكآبة التي يعيشها المصريون، والعنف الذي يدور كل يوم في الشوارع والميادين والأحياء والمدن والمحافظات، والارتجال الذي يسود الحكم، والاهتراء الذي أصاب مؤسسات الدولة، والصراع بين الحكم ومعارضيه، وارتباك المشهد المصري وغياب أفق نهاية النفق المظلم، فإن البحث الدقيق من دون مواقف مسبقة تجاه أي طرف أو جهة أو حدث أو واقعة يجعلك تتبين مقدماً أن مكاسب وفوائد ومميزات يمكن أن تخرج من قلب المأساة، تماماً كخروج اللؤلؤ بعد المعاناة من قلب المحار وجوفه.
 
صحيح أن دماء شهداء الثورة المصرية لم تكف لتحقيق الشعارات التي نادى بها أصحابها، ومعهم ملايين المصريين، بـ»عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». وبغض النظر عن المسار الذي اتجهت إليه مصر بعد الثورة، والسلبيات التي انعكست على حياة المواطن البسيط، وبعيداً من الإحباط الذي أصاب كثيرين ممن خططوا للثورة وحملوا أرواحهم على أكفهم في الميادين من أجلها، وتجاوزاً لمواقف هؤلاء الذين انقلبواً أصلاً على الثورة، ورأوا بعد أكثر من سنتين من انطلاقها أنها لم تأت لهم إلا بالخراب والانفلات والتخلف، مع مزيد من الفساد والإساءة لصورة بلدهم في الداخل والخارج، فإن نظرة من زاوية أخرى إلى الثورة المصرية تتجاوز مصالح الإسلاميين التي تحققت بالحكم والسطوة والنفوذ وبلوغ حلمهم في المشروع الإسلامي، زاوية ليس لها علاقة بمشاعر كارهي مبارك ونظامه إلى مثالبه وخطاياه، وكذلك بمحبيه والآسفين على رحيله إلى تاريخه العسكري أو الاستقرار الذي ساد عصره، تكشف تلك النظرة حقائق لم تكن لتظهر وتثبت وتترسخ إلا بفعلٍ بحجم الثورة، التي كان المصريون في بدايتها وأثنائها يُحسدون عليها، ثم وصلوا إلى مرحلة يتلقون فيها مشاعر الشفقة من أحبائهم، لما آلت إليه الأوضاع في بلدهم. قد يعتقد بعضهم أن وصول الإسلاميين إلى السلطة مَثل كارثة وضربة لمشروع التحضر المصري، لكن الحقيقة أن ذلك جرى بعد ما يقرب من قرن من نضالهم من أجل الحكم، حصل المصريون على ميزة مهمة، إذ أخيراً عرفوا كيف يحكم الإسلاميون بلدهم، ومدى كفاءتهم، ومعنى «براغماتيتهم»، وصِدق أو كذب شعاراتهم التي ظلوا يرفعونها لعقود، وردود فعلهم تجاه كل صوت معارض، أو سلوك مناهض، أو فعل رافض، ليُكشف ما كان خافياً لسنوات طويلة، ويطفو على الأسطح ما بقي زمناً في الأعماق. كذلك من المميزات تأكد، من دون أي مواربة، التأثير الأميركي في الداخل المصري، بدءاً من تنحي مبارك بعد رفع الغطاء الأميركي عنه، ومروراً بعملية نقل السلطة من الجيش إلى «الرئيس المنتخب»، ونهاية بالهرولة نحو واشنطن من أطراف عدة فاعلة في الأزمة المصرية، أو استقبال القاهرة لمبعوثي البيت الأبيض والتعويل عليهم في توصل الحكم إلى توافق مع معارضيه المصريين. ناهيك عن معرفة التحولات في السياسات الأميركية نفسها تجاه العالم العربي عموماً ومصر خصوصاً، وإدراك نتائج الاتصالات التي بدأت قبل سنوات بين أميركا ما بعد الحرب على الإرهاب وجماعات إسلامية على رأسها الإخوان المسلمين. بفعل الثورة أيضاً اكتشف المصريون أن بعضاً ممن ظلوا يعتقدون بأنهم مفكرون لا يملكون القدرة أصلاً على التفكير، وأن من بين هؤلاء من اصطلح على تسميتهم بالمفكرين الإسلاميين أو الليبراليين أو اليساريين، أظهرت تداعيات الثورة أن أحداً منهم ثابت على موقف أو معتنق لفكر، وأن النخبة التي ركبت الثورة ما زالت تمتطي انكسارها، وأن الإعلام الذي كان سيئاً في عهد مبارك صار أسوأ بكل المعايير، وأن بعض نجومه ممن تخلوا عن المهنية والمواثيق والموضوعية عند انطلاق الثورة، بدعوى تسجيل المواقف ومناصرة الثورة، كانوا من بين الأسباب التي أدت بمصر إلى ما آلت إليه، وهم مازالوا يتجهون بالناس إلى حائط صلب لا إلى رحاب واسعة. وبغض النظر عن كون هؤلاء مناصرين للحكم أو معادين له فإن النتيجة واحدة، فللتأييد مكاسبه وللمعارضة أحياناً أرباحها. وبعيداً من الوجوه التي سطعت عند بداية الثورة واختفت خلف ما حققته من مزايا فإن تداعيات ما جرى منذ التنحي، وحتى الآن، أظهرت رعونة بعض الرموز الثورية، وأفرزت تشرذماً وتشتتاً وتصارعاً أفاد الإسلاميين بشدة، ورغبة عارمة في الصدام مع الجيش، مجلسه العسكري وضباطه وجنوده قبل رحيل طنطاوي وعنان ووصول الرئيس المنتخب إلى مقعده، ما أضعف موقف الجيش وسهل طريق الإسلاميين. ولعل ذلك يطرح ميزة أخرى وليست أخيرة تتعلق بتفسير موقف الجيش من المناشدات، إذ ربما يسود اعتقاد بين قادته بأنهم قادرون على مواجهة الإسلاميين إذا انحرفوا بالحكم، أو تسببوا في الأذى للوطن؛ لكنهم حقاً يخشون الصدام مع الطرف الآخر الذي لا يتحمل الإسلاميين، ولا يطيق حكم العسكر، ولا يملك الأدوات التي تمكنه من الحكم!