التاريخ: آذار ١٣, ٢٠١٣
الكاتب:
المصدر: جريدة العرب اليوم الاردنية
ما فائدة وجود مجلس نيابي في الأردن ؟
هل يشكّل مجلس النواب سلطة تشريعية في الأردن، بالمعنى الحقيقي والفعلي لكلمة "سلطة"؟ قد يصدم هذا السؤال غير المألوف البعض ويثير لديهم الإستغراب بل والإستهجان. لكن، في ضوء المنحدر الذي وصل إليه الأداء البرلماني في السنوات الاخيرة، آن الأوان للقيام بمراجعة جذرية لماهية "السلطة التشريعية" في البلاد.

من الواضح، في ضوء التجارب السابقة، أن البرلمان يمكن له ان يسنّ قانوناً، لكنه لم يكن يوماً مشرّعاً بالمعنى السياسي والاجتماعي للكلمة. وليس الذنب في أن "الآليات" الموضوعة تعطي الحق للسلطة التنفيذية في صياغة مشروع القانون، لأن من حق البرلمان ـ إذا ما كان سيّد نفسه حقاً ـ أن يعيد صياغة كل فقرة وجملة في مشروع القانون الذي سيصوّت عليه في النهاية، كمحصلة لمجمل النقاشات التي يمكن ان تدور حوله، سواء من حيث مضمونه العام أو تفاصيل مواده. إن الجدل والنقاش ـ بل والنقاش الحاد، لكن السلمي والديمقراطي ـ حول أي مشروع قانون هو الذي يخلق الحيوية السياسية والقانونية والفكرية على ساحة العمل السياسي والعام؛ وهو أي الجدل ـ ما يحوّل البرلمان إلى مصدر من مصادر الثقافة السياسية "الأخرى" التي تشحذ الوعي العام، بديلاً للثقافة الرسمية التي تحصر همّها في تكريس الأمر الواقع وحمايته من أي تغيير أو تطوير حقيقي. وهذا الجدل هو أيضاً على النقيض من ممارسة "السرّية" في صياغة القوانين والذي تلجأ إليه غالباً السلطة التقليدية. ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في القوانين الأساسية والمفصلية : قانون الانتخاب، قانون المطبوعات، قانون الأحزاب السياسية، قانون الجمعيات إلخ..

سبب هذا الواقع ليس فقط غياب الأحزاب السياسية إلى حد كبير عن الحياة البرلمانية والرغبة الجامحة في إقصائها عن أي تأثير على عملية التشريع وصنع القرار، بل أيضاً سيادة مفهوم غريب ل "السلطة"، بإعتبارها معادلاً ل "القيادة". السلطة لا تعني دائماً القيادة؛ قد تكون جزءاً منها لكنها مرتبطة أساساً بتفويض من جهة ما، وهي هنا الشعب "مصدر السلطات". مفهوم القيادة ـ خاصة في الأنظمة التي لا تقوم على الديمقراطية ـ مستقى من عالم غير دنيوي لا يكترث برأي الشعب الذي غالباً ما ينقسم إلى "أغلبيّة" و "أقلّية" ؛ في حين يتطلب مفهوم "القيادة" دائماً وجود "الإجماع"، حتى في ظل عدم وجود عدو داخلي أو خارجي يبرر هذا "الإجماع". فكم بالحري عندما تكون هناك قوى متنفذة ذات صلاحيات واسعة تعمل على توجيه أعضاء البرلمان الخاضعين لتأثيرها. ومن هنا تماثل أو تبعية البرلمان للحكومة. ويختزل المواطن العادي السلطات كافة، في وعيه البسيط، بإطلاق إسم واحد عليها كلها : "الدولة"، لأنه لا يرى حقيقة الفارق بين "الحكومة" و "البرلمان".  إنه ـ البرلمان ـ عبارة عن "ديكور" في معظم الأحيان، وظيفته في الأساس إضفاء الشرعية على الحكومة وقراراتها، مهما كانت مجافية لمصالح أغلبية المواطنين من الطبقات الشعبية. وليس من أدواره إختيار الحكومة أو البت في تشكيلها. هنالك شروط قبل الوصول إلى هذه الدور أهمها : توفّر قانون إنتخابي ديمقراطي يسمح بإنتخاب ممثلين حقيقيين لإرادة الشعب، وجود أحزاب سياسية حرة ومستقلة لها كامل الصلاحيات والحرية للعمل في صفوف الشعب وتنظيمه وانتخابات حرة ونزيهة وشفافة من ألفها إلى يائها.

مقابل إضفاء "الشرعية" البرلمانية ـ بإسم الشعب ـ على قرارت تخدم الطبقة الحاكمة في جميع المجالات، لا بأس من صرف ميزانية تبلغ مليونين أو حتى أربعة ملايين دينار سنوياً على برلمان هو في الحقيقة والواقع كان ولا يزال "شكلياً"، ويراد له أن يكون كذلك دائماً. إنه مبلغ زهيد جداً مقابل ما قد يجرّه برلمان فعلي من تكاليف باهظة جداً، و"وجع رأس" للطبقة الحاكمة، له أول وليس له آخر..!