| | التاريخ: آذار ١٢, ٢٠١٣ | المصدر: جريدة الحياة | | كلفة «الإخوان» في مصر - حازم صاغية | ما عاد من السهل إحصاء الأزمات المصريّة الكبرى أو تعقّلها. فكأنّنا أمام مشهد غرائبيّ تنهار فيه أعمدة البيت المصريّ الواحد بعد الآخر. ذاك أنّه بعد القضاء وانفجار أزمة علاقته بالسلطة، والاقتصاد الموشك على كارثة محقّقة، وظهور علامات تطرّف في الاتّجاهات كلّها، وبعد التقاط إشارات متعاظمة على صعود النزعة الجهويّة في مدينة بور سعيد وربّما في غيرها من المناطق، وعطفاً على الأزمة القبطيّة التي تمضي وتتصاعد بذاتها، تطرح مسألة الشرطة والأمن التحدّي الأكبر. فإذا ما سارت الأمور على النحو الذي أوحت به الأيّام القليلة الماضية، انتهينا إلى وضع ليس من المبالغة وصفه بالميليشيويّ المتعدّد الرؤوس في بلد كثيراً ما فاخر بتقاليد دولته المركزيّة. وفي مناخ كهذا لا يكون من المستبعد أن يغدو الخيار العسكريّ خياراً خلاصيّاً وشعبيّاً عريضاً، مع ما يمثّله ذلك من انتكاسة للثورة فكراً وواقعاً وشرعيّةً، ومن شطب لتضحيات المصريّين والمصريّات وآمالهم. لقد شاع في بيئة المؤيّدين للثورات العربيّة تشبيه بالثورة الفرنسيّة وما تكبّدته من أكلاف، أو أدّت إلى تكبيده، قبل استقرار فرنسا على حالتها الديموقراطيّة الراهنة. وهي حجّة صحيحة حين يكون القصد استبعاد الحلول السحريّة وتوكيد مصاعب الانتقال من وضع إلى وضع آخر مختلف. لكنّ الحجّة نفسها تغدو تبريريّة حين يكون المقصود منها عدم محاكمة التاريخ الذاتيّ، أو غضّ النظر عن مسؤوليّة الأطراف التي ترعى الانتقال وتتعهّده. ففي هذا المعنى الأخير، يصبح مثَل الثورة الفرنسيّة كالدعوة إلى إعادة اختراع النار كلّما أريد استعمال عود ثقاب. فنحن، في مصر اليوم، نكتشف، بقدر لا يخفى من الذهول، حجم الكبت المتراكم في تعبير البلد عن ذاته، أي عن تناقضاته الهيوليّة، سنةً بعد سنة وعقداً بعد عقد. يكفي القول، مثلاً، إنّ هناك الآن أكثر من 16 تنظيماً سياسيّاً إسلاميّاً، الشيء الذي ينمّ عن مدى التفتّت الضارب حتّى في أصحاب القول الإيديولوجيّ الواحد. لكنّنا نكتشف أيضاً كلفة تولّي جماعة الإخوان المسلمين أمر الانتقال من الحالة الموصوفة أعلاه. لقد كتب فهمي هويدي، الكاتب والصحافيّ المدافع دائماً عن «الإخوان»، أنّه «لا مفرّ من الاعتراف بأنّه في الحالة المصريّة وأمثالها، فإنّ أداء الإسلاميّين في إدارة شؤون الدولة يبدأ من الصفر تقريباً». (جريدة «الشروق»، 3 آذار/مارس الماضي). فإذا كانت هذه هي الحال، وهي كذلك، صار الإسلاميّون مطالَبين باحتلال مقاعد التلامذة الذين يتعلّمون، لا منصّة الأستاذيّة التي يحتلّونها اليوم. وفي ظلّ عنوان مثير، هو: «قبل أن يصبح الإسلام هو المشكلة»، يختتم هويدي بالقول: «لقد كان البعض يرفعون في السابق شعار الإسلام هو الحلّ، وأخشى إذا تعثّرت المسيرة في ظلّ وجود الإسلاميّين بالسلطة أن تنقلب الآية فى نهاية المطاف، بحيث يصبح الإسلام في نظر البعض هو المشكلة». والحال أنّ كلفة الحكم الإسلاميّ يمكن أن تطال الإسلام نفسه فعلاً، لا سيّما وقد تولّى الإخوانيّون تبديد آخر الآمال بتكرار النموذج التركيّ. إلاّ أنّ الكلفة ستطال أيضاً مصر نفسها في مكوّناتها العميقة، ناهيك عن الثورة.
| |
|