| | التاريخ: آذار ١٠, ٢٠١٣ | المصدر: جريدة الحياة | | المغرب: تصدع البيت الحكومي - محمد الأشهب | كان مستساغاً أن تنبري أحزاب معارضة في المغرب لانتقاد أجراء انتخابات اشتراعية جزئية حول خمسة مقاعد نيابية، لا أقل ولا أكثر. بخاصة أن أي فصيل من أطيافها المتعددة المشارب والاتجاهات لم يحز أي مقعد. وفيما كان الرأي العام ينتظر أن تهطل أمطار الانتقادات من سقف المعارضة، سقطت زخات باردة من تحت قبة الغالبية الحكومية.
لم يقتصر الجدل حول الظروف التي جرت فيها المنافسات والنتائج التي آلت إليها، مع أنها لن تغير شيئاً في خريطة موازين القوى داخل مكونات الغالبية أو خارجها. فثمة إجراءات يصار إلى تنفيذها عبر الطعون التي يكفلها قانون الانتخابات. وعوض ذلك فتح نقاش أكبر حول توازن الأدوار والصلاحيات في نطاق ما كان يعرف بـ «وزارات السيادة» التي كانت تشمل العدل والداخلية والخارجية والشؤون الإسلامية.
والظاهر أن «الحركة الشعبية» التي يتزعمها وزير الداخلية محمد العنصر للمرة الأولى بعد إسناد القطاع إلى قيادي حزبي، سعت من وراء إثارة إشكاليات وزارات السيادة إلى مواجهة الانتقادات التي صدرت ضد مرشحيها في دائرتين، للدلالة على أن توجيه انتقادات شديدة إلى أدائها في رعاية الاستحقاقات الانتخابية قد يحتم معاودة النظر في مفهوم وزارات السيادة. مع أن الدستور الجديد الذي صدق عليه المغاربة يرهن تشكيل الحكومة بنتائج صناديق الاقتراع، من دون غيرها من المعطيات. وإذ تطالب قيادة الاستقلال الذي يشارك في حكومة عبد الإله بن كيران إلى جانب الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والحزب الأكثر نفوذاً (العدالة والتنمية) بإجراء تحقيق شامل في الملابسات التي شابت الاقتراع الجزئي في دائرتين على الأقل، فإن ذلك يعني أن الانضباط لشروط التضامن الحكومي بين أطراف الغالبية، لا يلغي استمرار صراعات حزبية حول دوائر انتخابية. وعلى رغم الجهود التي بذلت في الآونة الأخيرة كي تظهر الحكومة برداء الانسجام والتضامن وتضييق فجوة الخلافات، فإن تململ قواعدها الحزبية في هذا الاتجاه أو ذاك يهدد التضامن الحكومي. أقله أن الاتفاق الذي يحصل على مستوى الأداء السياسي في الجهاز التنفيذي لا يستطيع الصمود أمام هزات صغيرة على أرض الواقع.
في مقدم دلالات الاهتزاز أن التجانس الحكومي أملته ضرورات ظرفية، لناحية تشكيل غالبية نيابية تفسح في المجال أمام الحكومة لإقرار قوانين وإجراءات تحظى بدعم نيابي، وتتخطى حواجز المعارضة التي تفتقد إلى نصاب عددي وقانوني يصعّب مهماتها، وحرص رئيس الحكومة بعد تعيينه على أن تطاول مشاوراته لتشكيل الحكومة كل الأحزاب. ما يسقط ضمنياً مقولة أي تحالف إيديولوجي، وإن كان الاتحاد الاشتراكي المعارض يصنف الحكومة أنها «تيار محافظ»، في إشارة إلى قيادتها من طرف حزب إسلامي.
وفيما ذهب «العدالة والتنمية» إلى أبعد الأشواط لصون الغالبية الحكومية من التصدع، حين أعلن دعمه مرشحي «التقدم والاشتراكية» الشيوعي سابقاً، فإن استمرار بوادر الصراع بين الاستقلال والحركة الشعبية حول مقعدين انتخابيين، يعكس بعض جوانب نقاط الضعف في التجانس الحكومي. أقربه أن حجم الخلافات إذا كان بهذه الدرجة من التباين في اقتراع جزئي لا يغير مواقع الخريطة وتوازنها، فكيف ستكون الحال في انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين المقررة مبدئياً قبل نهاية العام الجاري. بخاصة أن هذه الاستحقاقات المحلية ستشمل للمرة الأولى رؤساء الجهات التي منحها الدستور صلاحيات أوسع في تدبير الشؤون المحلية، تكون أقل من حكم ذاتي وأكبر من لامركزية إدارية محدودة.
إلى ما قبل الانتخابات الجزئية استقرت خلافات الشركاء داخل الائتلاف الحكومي على قضايا جوهرية، من قبيل تباين المواقف حيال إصلاح نظام المقاصة المختص في دعم الدولة أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والتعاطي وملفات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية، إضافة إلى التذمر مما كان يوصف بـ «هيمنة الحزب الإسلامي في إدارة الشأن الحكومي»، أما اليوم فقد أضيف الصراع الانتخابي الخافت والمعلن إلى قائمة مطبات تعوّق السير العادي لقطار الحكومة.
بيد أن ما يفعّل من شأن هذه المضاعفات أن كل الفرقاء يتحدثون بصوت واحد عن استمرار التحالف الحكومي والتزام مقتضياته وطرح كل الملفات الخلافية على طاولة النقاش. لكن هل يكفي توحيد نغمة الحكومة لاستبعاد نشازها، إذ تنزل إلى مواجهة بعضها بعضاً في ساحة الميدان؟ إنه السؤال الذي يؤرق الحكومة بل يهيمن على مشهد سياسي يكاد يغرق في مستنقع الحروب الصغيرة، فيما يعوّل عليه أن يحقق اختراقاً كبيراً في الجدار السميك لمستجدات الإصلاح المتنامية.
| |
|