التاريخ: شباط ٢١, ٢٠١١
المصدر: nowlebanon.com
 
إختبار مصر؟ - حازم صاغيّة

يُخشى أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات متلاحقة وجدّيّة لاختبار مصر، فما المقصود بذلك؟
لقد استقرّت الثورة المصريّة، حتّى إشعار آخر، على وضع لا يبدو مريحاً للأطراف والقوى والايديولوجيّات السائدة في المنطقة على اختلافها. فالثورة ونتائجها السياسيّة تبدو، بالنسبة إلى تلك الجماعات، تقف في منطقة رماديّة: لا هي "معتدلة" بالمعنى الذي كان عليه "اعتدال" حسني مبارك الذي تخلّى عن كلّ دور إقليميّ، ولا هي "ممانعة" بالمعنى الذي يقود إلى إلغاء معاهدة كامب ديفيد والاصطفاف إلى جانب سوريّا وإيران.

 

وهذا ما يستحقّ "التوضيح"، حتّى لو أدّى التسرّع فيه إلى النيابة عن رأي الشعب المصريّ الذي لا بدّ أن يظهر على حقيقته مع إجراء الانتخابات العامّة الأولى في عهد ما بعد مبارك. لا بل إنّ الراغبين في تعجيل الحصول على توضيح لا يقلقهم بتاتاً أن يتأدّى عن سلوكهم هذا إعاقة النموّ الطبيعيّ للوضع الجديد في مصر وإرباكه، بل يُرجّح أن يكون مثل هذا الهدف مطلوباً.

هكذا سوف تسعى إسرائيل إلى انتزاع ما يطمئنها إلى أنّ النهج السابق في العلاقات الخارجيّة والإقليميّة للقاهرة سوف يستمرّ على حاله. وهي قد لا تكتفي بما قطعه المجلس العسكريّ حين أكّد على التزام مصر بالمعاهدات والمواثيق الموقّعة، بل ربّما عمدت إلى امتحان الخيارات المصريّة ودفعها إلى الفرز "الواضح".

 

والشيء نفسه يصحّ في قوى "الممانعة"، خصوصاً أنّ أنظمتها قد لا تبقى منيعة حيال موجات التحدّي الشعبيّ، ناهيك عن أنّ إيران لم تعد في أحسن أحوالها في ظلّ الاستمرار المتقطّع للحركة الخضراء، فضلاً عن العقوبات الأميركيّة والغربيّة. يضاف إلى هذا أنّ إقلاع التجربة المصريّة الجديدة، فيما هي تجمع بين الديموقراطيّة والسلام، ليس خبراً مفرحاً لـ"الممانعين" على عمومهم. ولنا أن نضيف أنّ القوى والأفكار القديمة قد تغريها المبادرة إلى فعل ما قد يحوّل الأنظار عن الأجندة الجديدة (حريّة وخبز ووطنيّة وشباب...) ويفرض العودة إلى الأجندة القديمة (الصراعات القوميّة والدينيّة...). فقد سبق، من هذا القبيل، أن شُنّت حرب 2006 انطلاقاً من لبنان لإحداث تحويل كهذا في الأنظار والأجندات عمّا طرحته حركة 14 آذار 2005 (استقلال ونظام أمنيّ وحريّات...).

التيّاران إذاً يلتقيان، ولو من موقع المختلف، على وضع مصر في موقع صعب. ومن يدري، فقد يكون لبنان، وقد تكون غزّة، ساحة الامتحان هذا!


لذلك ليس مستبعداً أن تتعرّض المنطقة لموجات من التصعيد اللفظيّ، وربّما العمليّ أيضاً. وللسبب هذا تتضاعف مسؤوليّة القيّمين على الوضع الجديد في مصر: مسؤوليّتهم في أن يصونوا تجربتهم التي يُفترض أن تحكمها، أوّلاً وأخيراً، مصلحة بلدهم. ومسؤوليّة شبّانهم الذين قادوا الثورة خصوصاً، لجهة بناء الأجسام التنظيميّة والسياسيّة المطلوبة لمرحلة ما بعد انتهاء المرحلة الانتقاليّة.

إنّ في وسع مصر حين تقوى أن تقول لإسرائيل: لا للتمادي، وينبغي الإسراع في إقامة دولة فلسطينيّة، كما أنّ في وسعها أن تقول لـ"الممانعين": لا للسياسات الحربيّة الموظّفة إيرانيًّا، ولا للمطالبة بإلغاء كامب ديفيد.

وهذا ما لا يحبّ الطرفان أن يسمعاه. لهذا لن يكونا راغبين في رؤية مصر وهي تقوى.