التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١٠
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
حالة مصر: اللجنة العليا للانتخابات

عمرو حمزاوي – القاهرة     

في مقالي الماضي المعنون "نواقص الإشراف وقيود الرقابة على الانتخابات" والمنشور في 17 تشرين الاول 2010 أخطأت في تناولي لتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتعرضت باختصار شديد لصلاحياتها، ومن ثم وجب التصويب والاستفاضة بالاستناد إلى نص القانون رقم 18 لعام 2007 الذي عدّل الباب الخاص باللجنة العليا للانتخابات في القانون رقم 73 لعام 1956، وكان هذا الباب قد أدخل على القانون رقم 73 بموجب القانون رقم 173 لعام 2005.


فاللجنة العليا تشكّل برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة وعضوية رئيس محكمة استئناف الإسكندرية وأحد نواب رئيس محكمة النقض (يختاره مجلس القضاء الأعلى) وأحد نواب رئيس مجلس الدولة (يختاره المجلس الخاص للشؤون الإدارية)، بالإضافة إلى سبعة أعضاء منهم ثلاثة من أعضاء الهيئات القضائية السابقين وأربعة من الشخصيات العامة يختارهم مجلس الشعب (أربعة أعضاء) ومجلس الشورى (ثلاثة أعضاء). وفقا للقانون، تشكل اللجنة العليا اللجان العامة على مستوى الدوائر الانتخابية من بين أعضاء الهيئات القضائية واللجان الفرعية التي يجري بها الانتخاب من بين العاملين المدنيين في الدولة. وبعيدا عن الخبرة السلبية التي راكمتها اللجنة من واقع إشرافها على الانتخابات المحلية وانتخابات مجلس الشورى الأخيرة وما اتسم به عملها من انحياز واضح لمصلحة مرشحي الحزب الوطني الحاكم ومن تعسف مع مرشحي المعارضة (وأشرت إلى كل هذا في المقال الماضي)، يطرح تشكيلها العديد من التساؤلات المتعلقة بحياديتها واستقلاليتها إزاء رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية والحزب الحاكم.


فرئيس الجمهورية، وهو رئيس الحزب الوطني الديموقراطي، يعين رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي تنعقد له رئاسة اللجنة العليا، ولرئيس الجمهورية وللسلطة التنفيذية دور محوري في تحديد هوية شاغلي المناصب القضائية العليا، إن في محاكم الاستئناف أو في محكمة النقض. أما أعضاء اللجنة العليا السبعة المنوط بمجلس الشعب والشورى اختيارهم فيختارون بكل تأكيد تحت تأثير الهيمنة الكاملة للحزب الوطني على المجلسين ومع استبعاد كامل لتفضيلات وترشيحات المعارضة، وهو ما يضع علامات استفهام حول استقلالية أعضاء اللجنة العليا في علاقتهم بالحزب الوطني ومرشحيه في الانتخابات المختلفة.


كذلك، وهنا يلمح المغزى الحقيقي لإلغاء شرط الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات وفقا لما تضمنه تعديل المادة رقم 88 من الدستور في 2007، يثير تشكيل اللجان الفرعية من بين العاملين المدنيين للدولة وقصر وجود أعضاء الهيئات القضائية على اللجان العامة الكثير من الشكوك حول الإمكانات الفعلية للحد من تدخل السلطة التنفيذية وأجهزتها (الأمنية في المقدمة) في العملية الانتخابية وتفاصيل الإشراف على الانتخابات من خلال ممارسة النفوذ والتأثير على العاملين المدنيين التابعين للدولة.


لا يعني هذا مطلقاً اعتراضي على القانون الناظم لتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والمحدد لصلاحياتها. فحين ينص بالقانون على تبعية كل أجهزة الدولة التي تضطلع بأدوار في العملية الانتخابية للجنة العليا وحين يلزم وزارة الداخلية بالتعاون الكامل مع اللجنة، فهو بذلك يؤهلها (أي اللجنة) حال توافر الإرادة القاطعة للقيام بالدور الرئيسي في الإشراف على الانتخابات ويمكنها، نظريا على الأقل، من تحديد أدوار الأجهزة الأخرى. كما أن القانون لا يقصر عمل اللجنة على تنقية وإعلان جداول الناخبين وتسجيل المرشحين وتحديد موعد بدء الحملات الانتخابية وتشكيل اللجان العامة والفرعية والترخيص للمراقبين والإشراف على سير الانتخاب، بل يوسع من عملها ليشمل متابعة التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية والرقابة على الأموال التي تنفق في الحملات الانتخابية والتأكد من ابتعاد المرشحين في حملاتهم عن توظيف الشعارات الدينية وعن استخدام مؤسسات الدولة ودور العبادة في الدعاية الانتخابية وعن الخطاب التمييزي على أساس الدين أو الجنس أو العرق. على الورق تبدو كل هذه الأمور أكثر من رائعة وقادرة على المساهمة في ضمان نزاهة الانتخابات، إلا أن العنصر الفصل هنا يرتبط بالكيفية التي تطبق بها من قبل اللجنة وحدود التزام الأخيرة شرطي الحيادية والاستقلالية في عملها وتعاملها مع جميع المتنافسين.


وإذا ما افترضنا توافر شرطي الحيادية والاستقلالية للجنة العليا، وهو ما لم تثبته خبرة إشرافها على انتخابات المحليات والشورى الأخيرة وتوضع حوله اليوم علامات استفهام، تظل نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة مرتبطة بتحقق مجموعة إضافية من الشروط أبرزها البيئة التنافسية والرقابة على الانتخابات بشقيها الداخلي والخارجي والمشاركة الفعالة للمواطنين. وفي ما خص البيئة التنافسية مازال التداخل بين الحزب الوطني وأجهزة الدولة، واستمرار التضييق على المعارضة وعلى حرية عملها التنظيمي وتواصلها مع القواعد الجماهيرية والرأي العام، وحضور الكثير من النصوص المقيدة للمنافسة في قوانين مباشرة الحقوق السياسية والأحزاب السياسية وغيرها، مازال كل هذا يحول دون وجود بيئة تنافسية حقيقية. أما الرقابة على الانتخابات، وكما أشرت في مقالات سابقة، فتعترضها صعوبات جمة ناتجة عن التضييق على المراقبين المحليين وعدم اعتداد أجهزة الدولة بتقاريرهم حول تجاوزات وخروقات العملية الانتخابية ورفض الترخيص لفرق المراقبين الدوليين بحجج بالية وغير مقنعة ينقلب في سياقها الغرب من صديق يُحتذى به ويُطلب رضاه إلى عدو يتربص بسيادتنا ويريد بنا السوء!


ثم يأتي أخيرا شرط مشاركة المواطنين في الانتخابات بكثافة وكونه يعد ضمانة رئيسية للنزاهة ومجابهة التجاوزات والخروقات، وهو ما لا يبدو اليوم تحققه في مصر. فنسب المشاركة في الاستفتاءات والانتخابات التي أجريت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة جاءت متدنية للغاية خاصة في المدن والمناطق الحضرية، ولا تملك الأحزاب والحركات – حكومية ومعارضة - التي قررت المشاركة في الانتخابات البرلمانية (2010) خطابا مقنعا لتحفيز المواطنين على الذهاب إلى اللجان الانتخابية والإدلاء بأصواتهم. والمؤكد أن الأسباب هنا هي خليط من اللامبالاة بانتخابات يعتبرها الكثيرون محسومة النتائج سلفا وببرلمان يسيطر عليه حزب واحد، ومن الاحتجاج الصامت على التجاوزات والخروقات الكثيرة التي شهدتها الانتخابات الماضية بمقاطعتها، ومن تنامي وزن التيار الداعي للمقاطعة في الحياة السياسية المصرية مع استمرار تعثر الإصلاح الديموقراطي وغياب الفرص الفعلية لتداول السلطة.