التاريخ: آذار ٤, ٢٠١٣
المصدر: nowlebanon.com
نقابات في غابة الطوائف - حازم صاغية
أطلق الزميل حسام عيتاني (جريدة "الحياة") على التظاهرات والتحرّكات التي نفّذتها "هيئة التنسيق النقابيّة" اسم "سوسنة بين الأشواك". والتسمية هذه ليست عائدةً فحسب إلى أنّ تلك التظاهرات والتحرّكات محقّة بذاتها، ولا لأنّ سلسلة الرتب والرواتب قابلة للتمويل "من زواريب الهدر والفساد وأرباح المصارف والمضاربات العقاريّة والتعدّيات على الأملاك البحريّة"، بحسب ما قال المتظاهرون أنفسهم، بل أيضاً لسبب آخر أهمّ في دلالاته البعيدة: إنّه نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع مدفوعين بهمٍّ غير طائفيّ، فيما يتشكّلون من أفراد ينتمون إلى سائر الطوائف. وهذا ما يحصل للمرّة الأولى في لبنان منذ 2005 والاستقطاب الطائفيّ الذي نشأ يومذاك.
 
هذه هي السوسنة بين أشواك الطوائف.
 
فعشرات آلاف المتظاهرين أولئك علّمونا أنّ السياسة، في معناها الفعليّ، إنّما تدور حول المصالح، لا حول الغرائز مهما أُدلجت وبُرّرت، وأنّ تصوّر الانقسام على قاعدة المصالح هو ما يؤسّس للوحدة على أساس الوطن والدولة، بينما الانقسام على خطوط الطوائف يجعل الوحدة الوطنيّة مستحيلة عمليّاً.
 
لكنّهم علّمونا أيضاً أنّ ما نعيشه راهناً هو وهن السياسة، ومن ثمّ وهن الوطنيّة، بسبب طغيان الغرائز على المصالح. وفي المعنى هذا لا يتحقّق نيل المطالب الاقتصاديّة من دون تغيير عميق، لا في تركيبة السلطة فحسب، بل أيضاً في تركيبة المجتمع والاجتماع والثقافة.
 
فالمُلحّ، في آخر الأمر، أن يحضر الوعي الحديث الذي تنتمي إلى منظومته مفاهيم الوطن والفرد/المواطن، بقدر ما ينتمي مفهوم الطبقة الاجتماعيّة، طارداً الوعي القديم الذي ترصّعه مفاهيم الدين والطائفة والإثنيّة.
 
بيد أنّ الواقع الساطع لا يلبث أن يهزّنا ويقنعنا بأنّ ذلك لا يعدو كونه وعظاً محضاً. وهذا، بالضبط، ما ينقلنا من التفاؤل بالتحرّك المطلبيّ إلى التشاؤم بلبنان. فنحن نعلم أنّ "الأشواك" هي التي تحكم واقعنا: يكفي أنّنا نعيش في ظلال نقاش "القانون الأرثوذكسيّ"، والتوتّر السنّيّ – الشيعيّ، والخوف المسيحيّ إلى ما هنالك من عناوين محكومة بالروحيّة ذاتها.
  
وهذه عناوين متمكّنة تشبه المحيط العريض الذي يجرف كلّ واحة صغيرة واعدة ويفتك بـ"السوسنة" نفسها. فكيف وأنّ الطائفيّة مسلّحة هذه المرّة، وأنّ سلاحها أقوى من سلاح الدولة ذاتها، فيما الناطقون بلسانها يهدّدون ويتوعّدون سواهم؟

مع ذلك ربّما كان تحرّك كالتحرّك النقابيّ الأخير، أو إنجاز صغير كالزواج المدنيّ، شهادات على أنّ ثمّة من يشجبون هذا الواقع، ويعدّون العدّة لمستقبل من نوع آخر... هذا إذا تركت الطوائف وسلاحها مكاناً لأيّ مستقبل؟