| | التاريخ: آذار ٣, ٢٠١٣ | المصدر: جريدة الحياة | | 24 ساعة هزّت ذاك القانون - سامر فرنجية | أُقِرّ القانون الأرثوذكسي، ولم يقرّ. فبعد أقل من يوم على إقراره في اللجان النيابية، بدأت مراسيم تشييعه، وكأنه لم يكن. هكذا تحدثت «مصادر» صحيفة «النهار» عن أن «المشروع أقر ليدفن» (20-2-2013)، لتعود صحيفة «الأخبار» وتؤكد هذا الخبر، مستنتجة من الحديث مع مصادر أخرى أنه «صار الاقتراح والقانون بحكم الميتين» (20-2-2013). إذاً، دامت حياة القانون الأرثوذكسي أقل من 24 ساعة، تسنّى خلالها لعرّاب هذا الاقتراح الاحتفال به وبعودة الحقوق الى أصحابها. فاقتراح اللقاء الأرثوذكسي بالتالي ليس مشروعاً سياسياً، بل مناورة، أو بلغة أدّق «المناورة الانتخابية الكبرى لفريق الاكثرية»، وفق إبراهيم الأمين، والتي فرضت على تيار المستقبل عدم «تجاهل المتغيرات التي تدفع الى تغيير حقيقي في قانون الانتخابات». واستعانةً بأدبيات المقاومة، فوظيفة هذا القانون الحصرية «تفجير نفسه بقانون الستين الاكثري» («الأخبار»، 20-2-2013). إذاً القانون مناورة، أو عملية انتحارية إصلاحية، كما كانت أحداث «7 أيار» مناورة أمنية، والاغتيالات مناورات إصلاحية. وقد ينتج من طرح هذا القانون اقتراح أفضل، غير أن تلك المناورة فجّرت، ليس فقط قانون الستين، بل النظام اللبناني بأكمله، كما قضت من قبلها مناورة «7 أيار» على كل امكانية لسلم أهلي، أكان ساخناً أم بارداً. وبين طرح اقتراح اللقاء الأرثوذكسي قانوناً ودفنه مناورةً، مرّت 24 ساعة، أظهرت بوضوح معالم مستقبل لبنان التي لن تلغيها مقولات المناورة. فخلال الـ24 ساعة القليلة التي تلت الإقرار، تبينت ملامح الحلف المسيحي، الذي يعود التحضير له لسنوات. فقد شارك مسيحيو قوى 14 آذار الحزبيون في التصويت على تلك المناورة، وإن كان غير واضح هدف تلك الحركة السياسية. وبغضّ النظر عن المحاولات السطحية لمعالجة التصدّع الذي تركه هذا «اليوم الأسود»، بات واضحاً من هو عرّاب القانون ومن هو محرج به. فالمناورة الكبرى التي أطلقتها تلك القوى لمحاربة ميشال عون مسيحياً، انتهت بها فروعاً مختلفة للتيار العوني، متفقة معه على أن مسألة التمثيل السياسي باتت الأولوية، وإن كان على حساب التحالف السياسي والنظام اللبناني ومحاربة خطر السلاح، كما أكّد نائب رئيس حزب الكتائب سجعان القزي، بعد ساعات على التصويت على القانون، باعتبار أن «مشروع قانون اللقاء الارثوذكسي هو نهاية لـ 25 سنة سوداء على مسيحيي لبنان، حيث كان تمثيلهم مصادراً وكلمتهم مهمشة، ودورهم مسلوباً وصلاحيتهم منتزعة». وهو الموقف نفسه الذي اتخذه بطل حقوق المسيحيين في التسعينات من القرن العشرين، اللواء جميل السيد، عندما رأى اعتراض بعضهم على هذا القانون «لسرقة قسم من النواب المسيحيين بهدف تكبير أحجامهم والسيطرة على الغالبية النيابية». لم تمرّ ساعات على التصويت، حتى طرح النائب عون السؤال التأسيسي لهذا التحالف الجديد عندما سأل: «هل من غبنٌ اذا اخذ المسيحيون 64 نائباً؟». فقدان الجرأة السياسية على مدى السنوات الأخيرة، منع الرد على هذا السؤال بالإيجاب، ما فتح مجالاً لعملية ابتزاز لا نهاية لها. تواطؤ الجميع على مراعاة تلك النغمة وتجاهل حقيقة أن النظام اللبناني، قياساً إلى غيره من الأنظمة السياسية المطروحة، يقدّم أكبر حصة للمسيحيين، أوهم بعض الموتورين والمناورين بأن في استطاعتهم إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب اللبنانية وتحوّلاتها الديموغرافية والاجتماعية، مدعومين بدراسات إحصائية تستنتج أن الماضي لم يكن. تلك المناورات لم تنتج سلبيات كدمار النظام اللبناني أو نهاية مقولة السلم الأهلي فحسب، بل ستنتج أيضاً «تطييفاً» للسنّة، لم يلحظه أعداء ممثليهم السياسيين. فالمناورات السياسية والأمنية التي أطلقت منذ 2005، إن لم يكن قبله، وحملات الابتزاز المتواصلة، قامت على فرضية «لا- طائفية» السنّة واعتبارهم محور النظام وعموده الفقري. وتصوير أحمد الأسير بوصفه حقيقة تلك المجموعة بغية دفع بعض المسيحيين للتصويت لتلك اللائحة أو ذاك المرشح، قد يصلح في المدى القصير، غير أنّ حدود تلك المناورة هي عدم تطييف تلك المجموعة. في الساعات التي تلت إقرار القانون، بدأ العد المقابل وعملية التطييف القائمة على «المظالم بحق السنّة في لبنان». فالمسيحيون لم يعودوا المحبطين الوحيدين، ما سيزيد على الأرجح إحباطهم، تبعاً لخسارة علامتهم الفارقة الأخيرة. لم تمض ساعات على إقرار القانون الأرثوذكسي في اللجان المختصة حتى هبّ المجتمع المدني باسم «الشعب الجوعان» في وجه «السياسيين». غير أنّ إقرار قانون كهذا أظهر بوضوح حدود فاعلية تلك التحركات، التي باتت فاقدة أي بعد سياسي. فالخلاص من القانون العنصري لن يأتي على أيدي أولئك الثوار، بل من تحالف بعض التقليديين والطائفيين والفاسدين، الذين باتوا آخر مجموعة لها مصلحة في الحفاظ على النظام بحدّه الأدنى. فخط الدفاع الأخير في وجه التقسيم بات يتشكّل من الرئيس نبيه بري وعلاقته العضوية بخزينة الدولة والنائب وليد جنبلاط وعلاقة الوجودية بالنظام الطائفي وتحالف العائلات السياسية وتمسكها بالمناطقية. أما تحرر ثوار المجتمع المدني، فبات أشبه بدفاع القوميين العرب عن الحدود الوطنية، أي معارضة اللقاء الأرثوذكسي من باب كره النظام اللبناني. ولئن حاول البعض ترميم القانون الأرثوذكسي في الأيام التي تلت تلك الساعات القليلة، بقيت الحقيقة القائلة إنّ مناورات هذا القانون أطاحت السياسة في لبنان، من خلال إعادة تصويبها في مستويين، أحدهما عابر للحدود والآخر قابع تحت السياسة. فالقانون نتاج وإشارة إلى أن السياسة الرسمية في لبنان انتهت. إيقاعها آت من خارج الحدود، من الصراعات السورية، وتخبط «حزب الله» المتزايد فيها. أما كثافتها في مستويات ما دون السياسة، فتمتد من مؤسسات دينية إلى محطات إعلامية. وأما الانتخابات، فأصبحت مجرّد مضيعة للوقت، هدفها الوحيد عرض القانون الأرثوذكسي. ولربما ظهرت حســنة واحدة في تلك الساعات القليلة، هي أنّ إقرار القانون «الأرثوذكسي» سيضع حداً للمقولة النهضوية عن «تقدّمية الأرثوذكس». وهكذا يُستكمل التسطيح اللبناني.
| |
|