التاريخ: كانون ثاني ٢٤, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
المنطق السياسي والاقتصادي لثورتي تونس ومصر - روجر اوين
بات رائجاً بالنسبة إلى بعض المعلّقين الغربيين التحسّر على الفوضى الناتجة في رأيهم عن الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في مصر وليبيا وتونس، رافعين يديهم في الهواء تعبيراً عن يأسهم التام. كيف يمكن تقديم مراجعة شاملة للوضع في هذه المرحلة في حين أنّنا نعلم أنّ الثورات الحقيقية في حاجة إلى عدّة سنوات لتؤتي ثمارها قبل أن يتمكّن المرء من الحديث عن قيام نظام سياسي جديد ناهيك عن نظام اقتصادي واجتماعي جديد.
 
وفي حال اعتبرنا التاريخ دليلاً، تأتي الثورة الشعبية في المرتبة الأولى، تليها الدعوة إلى فرض نظام دستوري جديد يضعه ممثّلو الشعب الذي حصل على سيادته ومن ثمّ انتخابات تفوز فيها الأحزاب الدينية مثل جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النهضة» بفضل قدرتهم العالية على التنظيم وبفضل تاريخ معارضتهم نظامَي مبارك وبن علي الفاسدين. وبالعودة إلى ما يجري حالياً، وقعت هذه الأحزاب في ورطة، أولاً لأنها لا تملك إجابات على المشاكل الاقتصادية الحادّة التي تواجه بلدانها، وثانياً لأنّ رغبة بعض أعضائها في إدخال أجزاء من الشريعة إلى الدستور، حشدت معارضة كافية إلى حدّ أنّ بلوغ التوافق الشعبي الضروري لتشريع الدستور الجديد أصبح مستحيلاً. في ليبيا، تأخذ هذه المرحلة الأخيرة منحى مختلفاً لا سيّما أن الأحزاب الدينية تؤدي دوراً أقل أهمية في هذا البلد، كما تمّ حلّ المشاكل الاقتصادية، أقله مبدئياً، من خلال النفط، والمشكلة الأساسية ناتجة عن الحاجة إلى استخدام الميليشيات بدلاً من الشرطة من أجل حفظ النظام.
 
ماذا سيحصل بعد ذلك؟ من الواضح أنّه خلال الانتخابات المصرية والتونسية المقبلة، ستكون حظوظ الأحزاب الدينية أقل، وفرص تحالفات اليسار والليبراليين ومؤيدي حقوق المرأة أفضل بكثير. كشفت الانتخابات المصرية والتونسية أنّ جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النهضة» لا يملكان خططاً حقيقية لمعالجة المشاكل الأساسية الناتجة عن الوضع الاقتصادي السيئ سوى التفاوض على حزمة التقشف مع صندوق النقد الدولي، التي من شأنها -كما يأملان- أن تفتح الطريق أمام الاستثمارات الدولية من دول الخليج الغنية ومن أمكنة أخرى. ونتيجة ذلك، يواجه الحزبان خياراً اقتصادياً صعباً يقضي بالتحرك فوراً وبحزم، قبل أن تسوء الأمور أكثر، لكنهما يواجهان خطر ابتعاد قاعدتهما أو تأجيل القرارات الصعبة إلى ما بعد الانتخابات.
 
أما إذا كان ذلك سيؤدي إلى فشل الأحزاب الدينية في الاحتفاظ بالأكثرية، فيعدّ مسألة أخرى، فالمعركة الانتخابية ستكون صعبة تليها انتقادات لطريقة إجرائها ونزاهتها، علماً أنّ عدداً كبيراً من هذه الاتهامات قد يتطلب حكماً قضائياً من المحاكم الدستورية. لكن، يجب أن نقر أنّ إجراء انتخابات تنافسية في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة سيكون إنجازاً كبيراً وخطوة أساسية على طريق إرساء نظام قوي بعد الثورة.
 
إنّ انتقاد الأحزاب الدينية بسبب عدم امتلاكها رؤيا اجتماعية بعد الثورة ليس أمراً مهماً بقدر الحاجة إلى امتلاك القدرة على معالجة مسائل أساسية، مثل توزيع الأعباء المرتبطة بالضرائب العالية وتقليص الخدمات والوظائف العامة وتراجع مستويات التعليم. ومن ثمّ كيف يمكن بناء الائتلاف الاجتماعي الضروري لإعادة هيكلة الازدهار المستقبلي؟ من الناحية الإيجابية، تعتبر البرلمانات الموجودة بمثابة منتديات لعقد الصفقات وإقامة التحالفات وإجراء أشكال أخرى من التعاون السياسي. ومن الناحية السلبية، ثمة ميل إلى تحقيق فوز انتخابي من خلال الانتقاد المفرط ومن خلال جعل تطبيق جزء بسيط من الإصلاح الاقتصادي الضروري مستحيلاً على أي حزب منافس، ناهيك عن دعوة هذا الحزب أو ذاك القوى، مثل الجيش والشرطة التي لم يتمّ إصلاحها لتقديم الدعم له.
 
تعدّ الثورات مسألة صعبة ومعقّدة، فهي تتطلب جرأة وقدراً كبيراً من التفاؤل. فضلاً عن ذلك، يجدر بنا النظر في البدائل. في مصر وتونس لم يستنزف النظامان اللذان سقطا اقتصادَ البلدين بسبب ممارساتها الفاسدة، بل وضعا برامج تقشف أكثر قسوة من تلك التي يتمّ بحثها اليوم مدعومة من صندوق النقد الدولي، وذلك بهدف ضمان بقائهما.
 
ولا شكّ في أنّ طريقة إدارة الأمور اليوم هي أفضل، لا سيما أنها تتم في جو تطغى عليه الرغبة في بلوغ مجموعة من الأهداف المشتركة. وفيما يجب بلوغ المرحلة نفسها في دول الهلال الخصيب وفي بلدان أخرى، مثل اليمن والسودان، حيث الدول أكثر ضعفاً، لا يمكن تجاهل التغيّرات الثورية الحاصلة في دولتين عربيتين أساسيتين.

 
* أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد