التاريخ: كانون ثاني ٢١, ٢٠١٣
المصدر: nowlebanon.com
حال الانحطاط... والمراجعة لا - حازم صاغية
أن يكسب ميشال عون المعركة السياسيّة المتّصلة بـ"القانون الأرثوذكسيّ"، فهذا شهادة أخرى على الانحطاط المتمادي في الواقع اللبنانيّ. ومعروفٌ من الذين يكسبون عادة في ظروف كهذه!
والانحطاط هو ما يصف بعض جوانبه بتكثيف شديد الكاتب روجيه عوطة (ملحق النهار، العدد الأخير)، إذ يكتب: "المسيحيّون اللبنانيّون في أسوأ أحوالهم هذه الأيّام. الاستحقاق الانتخابيّ يُجبرهم على الاحتكاك بواقعهم، والاكتشاف أنّه منفرط عدديّاً واجتماعيّاً. جرّاء هذا الارتطام، يتمسّكون بحقّهم في الخوف، وبهاجس الاحباط، خصوصاً أنّهم ينظرون إلى الحاضر كأنّهم مسلوب من ماضيهم، فيطلّون على الأوّل من شرفة الثاني. الإطلالة قد لا تكون واقعيّة، إذ تتحقّق في المرآة الأقلويّة التي يصنعها المخيال السياسيّ المسيحيّ ويصقلها الذعر الدائم والانصراف عن الآخرين".
 
لكنّنا إذا رجعنا قليلاً إلى الوراء، أدركنا أنّ عون كسب من المعارك ما يكاد يرقى في مجموعه إلى معجزة. وهذا بذاته مرآة لسجلّ الانحطاط وتناميه.
 
فمن الذي كان يظنّ أنّ المسيحيّين في أكثريّتهم سيختارون مواقف تتعارض مع الغرب، لا سيّما الولايات المتّحدة وفرنسا، ومع توجّهاته العريضة، أو أنّهم سينفكّون عن زعاماتهم التقليديّة (شمعون، الجميّل، إدّه)، بغضّ النظر عن الرأي في هذه الزعامات، أو أنّهم سيتعاطفون مع سلاح غير شرعيّ أقوى من سلاح الدولة نفسها، علماً بمركزيّة موضوعة "الأمن" في الوعي السياسيّ المسيحيّ؟
 
هذه المتغيّرات الهائلة وغيرها تجعل من الخطأ الاستخفاف بميشال عون، إلاّ أنّها، في الوقت نفسه، تحضّ على مراجعة التغيّرات الكبرى التي شهدها لبنان والمنطقة في العقود القليلة الماضية، وصبّت في وجهة الانحطاط التي استثمرها. 
 
وأغلب الظنّ أنّ حدثين كبيرين يبقيان الأكثر تأثيراً هنا:
 
من جهة، هناك الأسلمة الضاربة في المنطقة والتي ليس للّبنانيّين يد فيها إلاّ في حدود استدخالهم لها وتماهيهم معها. ومن جهة أخرى، وهذا ما كان ممكناً التحكّم اللبنانيّ فيه، هناك غضّ النظر الإسلاميّ عن التهميش الذي حلّ بالمسيحيّين في حقبة الوصاية السوريّة التي انتهت "رسميّاً" في 2005. 
 
صحيح أنّ وجود القوّات السوريّة في لبنان حينذاك كان يمنع التعبير غير المسيحيّ من التعاطف مع محنة المسيحيّين. إلاّ أنّ من الصعب، في المقابل، الوقوع على رغبة حقيقيّة في هذا التعبير. ذاك أنّ الانخراط المتحمّس، لدى القيادات السنّيّة والشيعيّة والدرزيّة، في الحياة السياسيّة الممسوكة سوريّاً، كان يغلب بوضوح كلّ اعتبار آخر. 

وهذه هي الثمرة الأكبر التي قطفها، ولا يزال يقطفها، ميشال عون في تأصيله الانشطار الطائفيّ وجوهرته وتحويله إلى قاعدة القواعد. فهل، على الأقلّ، تظهر أصوات تراجع تلك الحقبة وذاك السلوك، ولو أتت متأخّرة، علّ مراجعة كهذه تسهم في وقف الانحطاط عند حدّ؟