التاريخ: كانون ثاني ١٥, ٢٠١٣
المصدر: جريدة القدس العربي
الانتخابات البرلمانية الأردنية: احتفالية تعيد إنتاج الأزمة - يوسف ربابعة

من أهم الاختراعات الأردنية تحويل كل العمليات السياسية البسيطة والخطيرة منها إلى عرس ودبكة، فالحكومة تسمي الانتخابات البرلمانية عرسا وطنيا، وتحض الناس وتحثهم على المشاركة بهذا العرس الوطني الكبير، ولست أدري ما هي مقاييس الكبير والصغير عندنا، ويبدو أن الملك ومن حوله والحكومة من بعدهم يعتقدون أن مجرد إجراء الانتخابات وإجراء مراسم العرس سيحل مشاكلنا السياسية، وينهي كل الأزمات التي تعترض طريقنا، وينسون أن حفلة العرس والحضور الراقص ليس دليلا على استمرار العلاقة وبناء الأسرة، فكم من عرس أقيمت له الحفلات الرنانة لكن كان مصيره الطلاق، بعد انتهاء البهرجة والرقص والعودة إلى العقل.


ويبدو أن مصير الانتخابات البرلمانية سيكون مشابها لمصير الزواج الفاشل بعد انتهاء الدبكة والطبلة، فالمعطيات كلها تشير إلى ذلك المصير الذي يعيدنا إلى ما قبل أعوام، فالقانون لم يتغير، وفكرة القوائم فقدت الغاية منها، لأنها وضعت من أجل الارتقاء بالعملية السياسية ونقل الانتخابات من مصالح دوائر وخدمات إلى مصالح وطن وتشريع وتشكيل حكومات برلمانية، وهذا يحتاج إلى بنية حزبية قادرة على الفوز بمقاعد مؤثرة لتشكيل تكتلات برلمانية بأهداف واضحة، وهذا لم يتحقق لأن عدد القوائم وصل إلى واحد وستين، تتنافس على سبعة وعشرين مقعدا، وبحسابات رياضية فإن كل قائمة سيكون لها أقل من نصف مقعد، مما يعني أن المجلس سيكون خاليا من أي صبغة سياسية وحزبية، ومن جهة أخرى فإن المرشحين لهذه الانتخابات أغلبهم كان في مجالس سابقة أو في وزارات سابقة أو في مناصب رفيعة في الدولة، والبقية أغلبهم ينتمون إلى رؤوس الأموال وليس لهم أي علاقة بالسياسة، وقسم آخر هم مرشحو عشائر ومناطق لم يتحدثوا في السياسة من قبل ولم يكونوا مسجلين حتى في جمعية، بل إن كثيرا منهم ما زال يرتجف إذا سئل في أمر يتعلق بالحكومة أو الديوان الملكي أو حتى الوزارة، ويعتبر ذلك من الخطوط فوق الحمراء التي لا يُعتبر السؤال عنها بدعة فقط، بل حراما مغلظا، وهناك قلة قليلة بعدد أصابع اليد يمكن أن تكون لهم خبرات سياسية وحزبية وعمل عام.


هذا فيما يخص أشخاص المرشحين والقوائم، أما العملية الانتخابية نفسها، فيبدو عليها أنها ستكون أسوأ من سابقاتها، وذلك بسبب التزييف المتعمد للنزاهة، حيث تم تشكيل هيئة مستقلة ليس لها من الأمر شيء، وقامت بإجراءات شكلية لتوهم الناس أن هذه الانتخابات مختلفة عن غيرها، حتى وصل الحد برئيس الهيئة نفسه للتصريح والتهديد بالاستقالة، لأن هناك تجاوزات لا يستطيع السيطرة عليها، وليس عنده صلاحيات للمحاسبة، ولا يستطيع فعليا ممارسة عمله بشكل مستقل، فإدارة العملية الانتخابية هي من مهمات الحكومة، حيث اللجان والإشراف والأمن، وستكون الهيئة المستقلة نقطة ضائعة في هذا البحر المائج.


أما الجديد في هذه الانتخابات فهو شراء المرشحين وليس الناخبين فقط، فقد تشكلت أغلب القوائم الانتخابية بطريقة غريبة عجيبة، أهم أساس فيها هو أن رأس القائمة هو كل القائمة والبقية في الغالب عبارة عن تكملة عدد، مدفوع الأجر، حيث يقوم رئيس القائمة بتقديم عروض لمن يرغب بالتسجيل معه، فيتقدم المرشحون بأوراقهم، ويستطيع هو أن يختار من بينهم من يشاء، ويعطيهم الترتيب الذي يريد. أما الأساس الذي يختار من خلاله الأشخاص فهو العشيرة أو المنطقة التي ينتمي إليها المرشح وعدد الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها من عشيرته ومنطقته، وإذا استطاع شراء المرشح فإنه يتوقع أنه سيشتري ناخبيه معه، فالقوائم في الغالب تشكلت على أسس عشائرية ومناطقية لا علاقة لها بالأفكار ولا السياسة، وأغلب الأشخاص في القوائم لا تربطهم أدنى فكرة، إلا أن مرشحي القائمة وظيفتهم تحصيل الأصوات (للمعلم) أي رئيس القائمة، وأغلبهم يسير على قاعدة (مش خسرانين شي)، على الأقل يقبضون بدل أتعابهم، ويمكن أن تظهر صورهم في الشارع مجانا، وطبعا هذا ليس دائما، حسب رأي (المعلم)، يمكن أن يتكرم عليهم بوضع صورهم بجانب صورته. ويبدو أن المال السياسي سيكون أكبر في هذه المرة، والطرق متعددة ومختلفة لا تستطيع الهيئة المستقلة ولا غير المستقلة مقاومتها أو محاربتها أو محاسبة أصحابها.


أما المشكلة الأهم فهي أن القوائم الوطنية كان الهدف العميق منها هو محاولة إعطاء الأماكن ذات الكثافة السكانية والتمثيل الأقل فرصة للمنافسة على التمثيل في مجلس النواب، بمعنى آخر كان الهدف هو منح عمان والزرقاء - وهي ذات كثافة سكانية من أصول فلسطينية ـ تعويضا عن شعورهم بأنهم غير ممثلين في المجلس بسبب حصول المحافظات على حصص أكبر مقارنة بعدد السكان. لكن ذلك لم يتحقق أيضا بسبب عدم وجود الاتجاه الإسلامي الذي ينشط في هذه الأماكن، وله أنصار كثر فيها، وبسبب الفتور الذي يبديه الأردنيون من أصول فلسطينية تجاه العملية السياسية برمتها، تجنبا للدخول في مشاكل قد يتهمون بها، كما كان يحصل دائما. وهذا الهدف لم يتحقق أيضا لأن أغلب رؤساء القوائم هم من أصول أردنية، بل ومتنفذون في الدولة ومؤسساتها.


وإذا كان الهدف من هذه الانتخابات هو تجديد الدم في عروق السياسة من أجل التغيير ودخول 'الربيع العربي' بنفس جديد، فإننا لا نلاحظ أي إشارات تدل على ذلك، بل إنني أرى أن هذه الانتخابات ستزيد تجميد العروق والشرايين، وتزيد من احتمالية الإصابة بالجلطة، وسيكون المجلس القادم عبئا على الوطن، وستكون مظاهرات الجمعة متخصصة بالدعوة لإسقاطه، مما يضطر الملك لحله مرة أخرى من أجل إجراء انتخابات مبكرة - وطبعا لا معنى لكلمة مبكرة هنا إلا الخروج من مأزق ومحاولة كسب الوقت وسنعود إلى المربع ما قبل الأول ونعيد إنتاج الأزمة وتعقيدها، وبذلك يكون (الأردن أولا) بإعادة اكتشاف العجلة.

 

' كاتب اردني