أميرة بهى الدين المحامية اللامعة، الناشطة الحقوقية، مقدمة البرامج، تمثل أصدق تمثيل قيم الطبقة الوسطى المصرية قبل أن تغزوها الأفكار الصحراوية الجلفة. تذهب إلى العمرة والحج، بنفس الحماس الذى تذهب به إلى لندن، تحب أن تستمع إلى القرآن الكريم من الشيخين رفعت وعبدالباسط، كما تحب أن تستمتع بغناء أم كلثوم وفريد وعبدالحليم، تحتفل بعيدى الأضحى والفطر بالصلاة فى المسجد والذبح والكعك، كما تحتفل بعيد الميلاد فى الكنيسة تشارك أصدقاءها فرحتهم، تُقبل على قراءة الصحيحين وتفسير القرطبى، كما تقرأ لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس.
أمس الأول قالت مغردة على تويتر «عايزه مصر بتاعتى يا حرامية». التغريدة كانت أشبه بتغريدة البجعة، صوت الألم يصرخ، والشعور بالخوف يمكن أن تراه من خلف السطور. الخبر السيئ أن مصر التى عرفتها أميرة بهى الدين تترنح بالقطع.
أوفد محمد على البعثات إلى أوروبا لينتشل مصر من الجهل والتخلف بعد أربعة قرون من الحكم العثمانى. ذهب الشيخ الأزهرى رفاعة الطهطاوى إلى باريس، وعاد ليبدأ مشروعه الحضارى الكبير افتتح أول مدرسة للترجمة فى الشرق، وضع الأساس المتين لمشروع حقيقى للنهضة الفكرية، كان أصيلاً ومعاصراً فى الوقت نفسه، ترجم متون الفلسفة والتاريخ، ونصوص العلم الأوروبى، ولم يغفل علوم الشرع واللغة العربية.
من عباءته خرج أزهرى ثان هو الشيخ محمد عبده ليكون إماماً للمجددين فى العصر الحديث، قدم مع الكثير من رجال الدين وقتذاك تفسيرات حديثة تفتح باب التجديد فى الفقه والحياة، وتجعل الإسلام متوائماً مع الحداثة، وليس خصما لها. اليوم يبدو المشهد مختلفاً تماماً، سيطرت مجموعات من المتطرفين على مفاصل الدولة، بعض المتطرفين وأهل الإرهاب هم من كتبوا لمصر دستورها.
الحوار الآن هو متى ستنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟! أصبح فى مصر مقهى يمنع دخول غير المحجبات أو دخولهن صحبة رجال غير أزواجهن ويمنع سماع الموسيقى، انتشرت قنوات تليفزيونية تحض على التطرف وتمدح الإرهاب، وتكفر أهل الفن، وتطلب منهم التوبة، أصبح الإرهابى العتيد أيمن الظواهرى حاضراً بقوة فى المشهد السياسى يفاخر البعض بانتمائهم إليه.
الخبر الجيد أننا لن نترك لهؤلاء مصر التى نعرفها، سنسمع الموسيقى ونطرب لها، ونذهب إلى السينما والمسرح والأوبرا، ونستمتع بالفن الراقى الجميل، سنشاهد الباليه والرقص الشرقى، سنجتمع معا فى المناسبات السعيدة سواء أكانت عيد الأضحى أم عيد الميلاد، سندافع عن حرية الدين والعقيدة أيا كانت، لن نسمح بإجبار النساء على ارتداء ما لا يرغبن فى ارتدائه، سنرفض أن يشترى رجل عجوز طفلة ويبنى بها، ستظل أيدى الفتيات والشبان متشابكة على كوبرى قصر النيل، سيعيش المصريون أحراراً...أميرة بهى الدين لا تخافى «مصر بتاعتنا» ستظل كما هى أما الآخرون فسيموتون بغيظهم.
|