التاريخ: كانون ثاني ١٣, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
شعبية بن كيران على المحك - محمد الاشهب
لا يتردد رئيس الحكومة المغربية في وضع شعبيته ونفوذ حزبه أمام المحك. ففي كل مرة يواجه فيها عبدالإله بن كيران ردود أفعال، يصنفها ضمن ضغوط لوبيات مناهضي الإصلاح، يستعير مفردات تقيد بأنه سيمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات، وإن كانت تؤثر في رهانات حزبه الانتخابية.
 
لجأ إلى الأسلوب الصادم يوم أقر رفع أسعار المحروقات وما يترتب عليها من تداعيات في المساس بالقدرات الشرائية لفئات واسعة من المواطنين، وهو بصدد تجريب سياسة الصدمات الكهربائية في التعاطي مع ملفات الإحالة على المعاش التي لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها. ومن غير المستبعد أن يلجأ إلى المنهجية ذاتها على خلفية فتح إشكالات دعم الدولة المواد الاستهلاكية الأساسية، وإن كان مفعولاً يبقى قابلاً للإنفجار في أي لحظة.
 
ثمة خطوط حمر ترجئ التعاطي مع الملف الاجتماعي الذي يهدد استقرار البلاد. فيما يلوذ رئيس الحكومة إلى فكرة أن الإصلاحات المبكرة ذات الروح الاستباقية وحدها تضمن سريان مفعول الاستقرار. فهو يضع نصب عينيه ملايين الفقراء الذين يفيدون من إلغاء ذلك الدعم، عبر تقديم مساعدات مالية، وإن كان الراجح أن تقديراته كي تكون أكثر جدوى وتشمل المزيد من الفئات، تتطلب موازنة ضخمة لا تجلبها النيات الحسنة فقط.
 
لا بدائل تسعف رئيس الحكومة في الاختيار بين أفضل الحلول الممكنة، فهو لم يعد يلتفت إلى التشخيص بقدر ما يواجه إشكالات صوغ الحلول العاجلة لأزمات طال أمدها. وإذ يدرس خرائط قاتمة لمستقبل البلاد، في حال استمرار التعايش مع هذه الأزمات، من دون التخفيف من حدتها واستئصال جذورها، إنما يدق جرس إنذار أمام الجميع، معارضة وموالاة، طالما أن عواصف الأزمات لا تميز في أهوالها بين المواقع.
 
لعلها المرة الأولى التي يصارح فيها رئيس حكومة الرأي العام بحجم التحديات. فعل ذلك لإعداد الأجواء النفسية والاجتماعية لتقبل ترفيع أسعار المحروقات. وذهبت تحليلات أنه في صدد توجيه رسائل إلى شرائح انتخابية، تكون في مقدم المستفيدين من مساعدات مالية، مقابل إلغاء أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية. غير أن الصورة القاتمة التي عرضها إزاء إمكان نفاذ الموارد المالية التي تضخ في صناديق الإحالة على المعاش، لا تفرق بين الفئات. بل إنها تحيل على المسكوت عنه في ملفات وقضايا، حان وقت تسديد فواتيرها من دون تأخير.
 
ظل يؤخذ على رئيس الحكومة من طرف بعض فصائل المعارضة، وحتى من شركائه في الائتلاف الحكومي أنه لم يقر إجراءات كبيرة، بحجم طموحات الإصلاح، مع نهاية العام الأول لولايته. وانصرفت أصوات وفاعليات إلى مطالبته بتسريع الإجراءات والقوانين التنظيمية التي تطاول تنفيذ مقتضيات الدستور الجديد، بخاصة وأن البلاد على موعد مع استحقاقات انتخابية تتطلب معاودة هيكلة بنيات الدولة، لناحية تفعيل النظام الجهوي الذي يمنح صلاحيات واسعة للديموقراطية المحلية في تدبير شؤون السكان.
 
مع أن لهذه الإجراءات أهمية سياسية واقتصادية وثقافية إذ ينظر إليها من زاوية معاودة الاعتبار إلى اللغة الأمازيغية التي أضحت لغة رسمية إلى جانب العربية، أو من خلال تفعيل النظام الجهوي، أو ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، أو التقدم على طريق بلورة معالم الإنصاف لتأمين حضور وازن للنساء في المسؤوليات، فإن جرس الإنذار الذي قرعه بن كيران بقوة يضع اليد على مكامن جروح غائرة تهدد بالإفلاس. كون تدبير الملفات مهما كان راشداً أو حكيماً، فإن ندرة الإمكانات المالية والاقتصادية قد يجعل بعض الرهانات أشبه بترف فكري.
 
وكما أن تنفيذ مقتضيات الوثيقة الدستورية يفسح في المجال أمام ممارسة المسؤوليات،على قاعدة فصل السلطة والتداول السلمي واعتماد منظومة الحوكمة ومواجهة مظاهر الفساد الذي استشرى في الجسد المغربي، فإن هذه الممارسة أقلها على صعيد تحمل المسؤولية الحكومية لا يمكن أن يفضي إلى إيجاد مناخ مشجع، خارج تطويق الأزمات الكبرى التي تثقل كاهل الدولة. فقد تكون صراحة بن كيران جارحة إلى حد الإحباط. وقد يكون مبعثها أنه وجد التركة أثقل مما كان يتصوره حزبه أيام المعارضة. غير أن إشاعة ثقافة المصارحة تبقى أفضل من إخفاء الحقائق أو حجبها من التداول.
 
ثمة سابقة كان أقدم عليها الملك الراحل الحسن الثاني، عندما أقر في منتصف تسعينات القرن الماضي أن البلاد قاب قوسين أو أدنى من «السكتة القلبية». وكي يبلغ رسالته التي ستساعد في انتقال فصائل المعارضة السابقة إلى تحمل المسؤولية الحكومية، اعتمد مضامين تقارير البنك الدولي حول أوضاع التعليم وسير الإدارة وآفاق الاحتقان الاجتماعي. بيد أن تلك التقارير وضعت على الرف لدى اعتماد مقاربات سياسية فتحت العيون على أول تجربة تتولى فيها المعارضة قيادة حكومة مغربية.
 
وقتذاك، كان الرهان السياسي يعلو على ما دونه. وكان هامش الحركة يسمح باستخدام الزمن لفائدة توجهات سياسية شدت الانتباه. أما اليوم فالأمر يبدو مختلفاً، في ضوء اتساع رقعة الانتظارات. فقد كان بن كيران وهو يتعلم المشي في رئاسة الحكومة يروق له أن يردد أن البلاد كانت على وشك الوقوع في منعرج الربيع العربي. كان يعتمد تشخيصاً سياسياً للحراك الاجتماعي. والظاهر أنه استبدله بوصفة التحذير مما هو آت، في حال الاستسلام للإشكالية وترك المشاكل العويصة بلا حلول آنية.
 
ترى هل يستطيع أن يغامر أكثر بشعبيته ونفوذه، على أبواب استحقاقات انتخابية؟ أم أنه سيمضي على طريق فرض إصلاحات قاسية مثل جراحات قيصرية.