التاريخ: شباط ١٩, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
لماذا يشجع أوباما تغيير الانظمة العربية؟ - سليم نصار

ذهب الرئيس المصري حسني مبارك وبقي نظامه... وهو نظام معقد صمم على قياس الرئيس بطريقة تعينه على تحقيق أهدافه السياسية.
ويتوقع قادة التظاهرات في مصر أن تبدأ عملية الاصلاح باجراء تعديلات دستورية تساعد الشعب على استرداد حقوقه. وتقضي مهمة اللجنة الدستورية برئاسة طارق البشري، بضرورة تعديل المواد التي أضيفت خصيصاً على امتداد ثلاثين سنة، لحماية النظام السابق وتقييد حرية خصومه. ومع ان عدد المواد المطروحة للالغاء أو التعديل، يزيد على العشر، إلا أن المادة 77 هي التي تشغل اللجنة الدستورية. أي المادة التي تنص على أن تكون مدة الرئاسة 6 سنوات ميلادية، مع السماح باعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى. وهذا ما دعا أيمن نور الى وصف النظام الذي شرع لانتخاب مبارك في دورة خامسة بنظام "الملكية المنتخبة". لذلك يطالب الاصلاحيون بضرورة تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات، غير قابلة للتكرار أكثر من مرة واحدة.


واللافت ان الانتقادات شملت اللجنة الدستورية التي اختارها المجلس الاعلى للقوات المسلحة. خصوصاً ان رئيسها طارق البشري بدأ نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي ثم انقلب الى "اخواني" متشدد. ويتبين من مراجعة سير الاعضاء التسعة انهم متعاطفون مع جماعة "الاخوان المسلمين". وقد احتج "حزب الوفد" على هذا الانتقاء الذي حاولت فيه قيادة الجيش استرضاء "الاخوان" وحجب مشاركة الاحزاب الاخرى.


من أجل تطمين المواطنين الى اهدافها، أعلنت حركة "الاخوان المسلمين" امتناعها عن ترشيح ممثل لها الى رئاسة الجمهورية. ويتردد في القاهرة ان هذه الخطوة ترمي الى عدم اثارة مخاوف القوى السياسية الاخرى، وانتظار نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومع ان محمد البرادعي أيد انخراطهم في المسيرة السياسية باعتبارهم لا يشكلون أكثر من عشرين في المئة من اعداد الناخبين... إلا أن تجربة الجزائر أثبتت خطأ هذا الرهان.


وكانت ارقام مراكز الاستقصاء قد أعطت الاسلاميين في الانتخابات الجزائرية سنة 1991، ارقاماً ضعيفة لا تدل على قوتهم الحقيقية. وجاءت المفاجأة لتظهر فوزهم بغالبية تتيح لهم تشكيل حكومة من لون واحد. وتدخل الجيش الجزائري لمنعهم من استلام الحكم. وكان من نتيجة هذا التدخل ان انفجر نزاع دموي بين الاسلاميين والجيش أدى الى سقوط نحو من نصف مليون قتيل وشل القدرات الاقتصادية لمدة تزيد على سبع سنوات.


حكاية "الاخوان المسلمين" في مصر بدأت مع مؤسسها سنة 1928 المرشد الاول للجماعة حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا.
باشر البنا دعوته مع ستة شبان، ثم اتسعت تلك الدعوة لتصبح حزباً شعبياً قوياً ينافس "حزب الوفد" على الزعامة. ولكن هذه الشعبية لم تسمح له بالدخول الى البرلمان، لأن الدولة كانت تعتقل انصاره وتحاصر الدائرة الانتخابية التي يترشح عنها (دائرة الدرب الاحمر) في القاهرة.


في 12 شباط 1949، اطلق مجهول الرصاص على حسن البنا وهو خارج من مبنى "جمعية الشبان المسلمين". وأفاد قبل موته ان السيارة التي أطلق منها الرصاص كانت تحمل الرقم "9979". وتبين للمحقق انها سيارة رسمية يملكها الاميرالاي محمود عبد المجيد، المدير العام للمباحث الجنائية في وزارة الداخلية.


بعد الانقلاب العسكري الذي قام به جمال عبد الناصر والضباط الاحرار ضد الملك فاروق (1952)، جرى التعاون مع رجال الثورة. ولما طالب عبد الناصر بحل الاحزاب القائمة، سارع "الاخوان" الى تأييده. واستمر التعاون الى حين تعرض عبد الناصر الى محاولة اغتيال سنة 1954، على يد أحد أعضاء "الاخوان". وذكر في حينه ان أجهزة المخابرات هي التي افتعلت تلك الحادثة من أجل تقوية شعبية عبد الناصر، واعطائه المبرر لملاحقتهم وزجهم في السجون. وقد بلغت الحملة ضدهم ذروتها باعدام بعض المفكرين الاسلاميين أبرزهم: سيد قطب وعبد القادر عودة.


وبسبب التعذيب في المعتقلات، خرج هؤلاء ليطالبوا باسقاط نظام الحكم بكل الوسائل الممكنة، بما فيها العنف والاغتيال والارهاب. ثم جاءت هزيمة 1967 لتجدد نشاطهم، وتحيي دعوتهم بأن الانتصار على اسرائيل لا يتم إلا من خلالهم. وقد عزز هذه الفكرة تشكيل منظمات مشابهة مثل: "الجهاد" و"التكفير والهجرة" و"الشرقيين" و"الناجين من النار" إلخ.


عندما تولى أنور السادات الحكم سنة 1970، تخيل ان الناصريين واليساريين هم الذين يعرقلون تنفيذ سياسته. وفي حديث مع مجلة "نيويوركر" نشر في كانون الاول 1994، كشف حسني مبارك عن واقعة مذهلة خلاصتها ان أنور السادات ساهم في تأسيس "الجماعة الاسلامية" التي ترأسها الشيخ عمر الرحمن. أي الجماعة التي أشرفت على تدبير عملية اغتياله بواسطة خالد الاسلامبولي. وقد أطلقت ايران اسمه على أكبر شارع في طهران، تكريماً للعمل الذي قام به يوم اغتال بطل "كمب ديفيد"!


الملاحظ حالياً ان الجيش المصري رفع القيود عن الاسلاميين الذين تعرضوا للمطاردة منذ عهد جمال عبد الناصر. وقد نجحوا في انتخابات 2005 عندما فازوا بـ88 نائباً، ولكنهم قاطعوا الانتخابات الاخيرة لأن القادة الجدد آثروا الانخراط في النشاطات الاجتماعية والابتعاد عن الامور السياسية. ولكنهم فوجئوا بزخم تظاهرة المليون، الامر الذي يفسر ترددهم في المشاركة خلال اليومين الاولين. ولكنهم استلهموا الانتفاضة التونسية وقرروا النزول الى الشارع في القاهرة والاسكندرية، وانما بطريقة غير مكشوفة.


يدعي المجلس الأعلى للقوات المسلحة انه في صدد الاعداد لنقل سلطته الى حكومة مدنية تلتزم المبادىء الديموقراطية. وهو يتعهد بالرجوع الى الثكنات بعد انتهاء الفترة الانتقالية المحددة بستة اشهر يصار بعدها الى اجراء انتخابات عامة ورئاسية. ومن المتوقع ان تلغى حال الطوارىء وتحل المؤسسات التمثيلية محل الجيش. ويتخوف "الاخوان المسلمون" من نشوء ظروف امنية داخلية تفرض وصول عمر سليمان الى سدة الحكم.


اظهرت برقيات حصل عليها موقع ويكيليكس ونشرتها صحيفة "افتنبوستن" النروجية، ان واشنطن دفعت ملايين الدولارات الى منظمات مصرية، الامر الذي اثار دهشة الرئيس حسني مبارك. وجاء في البرقية الاولى ان السفارة الاميركية في القاهرة خصصت مبلغ 150 مليون دولار لنشر الديموقراطية.


وفي برقيات ديبلوماسية اخرى جاء ما يثبت ان الولايات المتحدة ساهمت بشكل مباشر في تشجيع القوى المحلية المعارضة للرئيس مبارك. والمستغرب حقا ان ادارة اوباما لا تنفي هذا الاتهام ولكنها تبرره من موقع الدفاع عن مصر لا عن مبارك. وقال احد كبار مستشاري البيت الابيض، ان اوباما لن يؤيد رئيس دولة يتمسك بكرسيه خلافا لارادة شعبه. علما ان اوباما يعتبر مصر حجر الزاوية في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط، ومحظور عليها ان تخسرها لمصلحة الراديكاليين و"الاخوان المسلمين". ونقل عن اوباما قوله: "اميركا بقيادتي لن تؤيد رئيس دولة يزوّر الانتخابات، ويستعد لتوريث نجله بعد ثلاثين سنة في الحكم. ان مسؤوليتي الادبية تحتم علي ان اقول له: يا صديقي، انتهى مسارك... والآن انصرف!". الى جانب التفسير الايديولوجي، فان اوباما يعرف ان الثورات الديموقراطية في العالم العربي يصعب عليها ان تكون مؤيدة لسياسة بلاده. ولكنه يسعى كي لا تكون مناهضة لسياسته. وعليه يرى انه من المفيد لبلاده بلورة النظام الجديد في مصر بحيث تكون قادرة على مواكبة التغيير.


ومثل هذا الموقف الغامض يقود الى استنتاجين: اما ان اوباما يدفع لاسرائيل ثمن التمديد لولاية ثانية من طريق ارباك العرب... واما انه يغري طهران لاستغلال الفراغ الدولي والاقدام على مغامرة متهورة تستخدمها اسرائيل لتسديد الضربة المؤجلة.


بعض زعماء الدول العربية رفض منطق الرئيس اوباما، لأنه لم يكن عادلا وموضوعيا في رسم معاييره السياسية. والدليل على ذلك ان الانتفاضات الفلسطينية الشعبية في الضفة الغربية وغزة، قوبلت بالصمت يوم كانت اسرائيل تواجهها بالقنابل المحرقة. وقد استند الرئيس كارتر الى هذا المنطق عندما انتصر للمتظاهرين في ايران، وجاءت النتيجة مخالفة لكل توقعاته، لأن سقوط الشاه صديق اميركا اوجد نظام الملالي مكانه. اي النظام الذي يطالب بطرد الولايات المتحدة والنفوذ الغربي من كل منطقة الشرق الاوسط. وعندما اتصل العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز بالرئيس اوباما مطالبا اياه بعدم اهانة الرئيس مبارك، انما كان يطالبه ايضا بعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية، خصوصا اذا كان هذا التدخل سيؤدي الى عكس النتيجة المتوخاة.


ومثل هذا النصح ينطبق على حالات اخرى تحدث في ليبيا واليمن والبحرين، خصوصا ان الحكومة البريطانية قد ايدت تدخل واشنطن، تماما مثلما ايدتها حكومة العمال في حرب العراق.
والمؤسف ان التودد المبكر للأنظمة البديلة في بعض الدول العربية لن يفتح للولايات المتحدة وبريطانيا اذرع الاستقلال والاحتضان، بقدر ما يفتح الفرص لايران كي تطرد اعداءها من كل المنطقة!

 

(كاتب وصحافي لبناني مفيم في لندن )