التاريخ: كانون ثاني ٥, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الحياة
مرسي ومحنة الثورة المصرية - طارق أبو العينين
لعل أهم الإشارات التي حواها الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري محمد مرسي أمام مجلس الشورى-الغرفة الثانية في البرلمان، دعوة المعارضة إلى الحوار وبناء توافق سياسي يتيح مخرجاً آمناً من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بفعل الاضطرابات السياسية، إلا أن تحقيق هذا الطرح الرئاسي يرتطم بثلاث عقبات:
 
الأولى هي عدم ثقة قوى المعارضة بصدقية ما طرحه مرسي في خطابه بشأن بناء توافق وطني، فتمرير الدستور باستفتاء شعبي، رغم الشكوك في الشرعية القانونية للجمعية التأسيسية وحصار المحكمة الدستورية لتحقيق ذلك الغرض، نكأ جرحاً غائراً لدى تلك القوى، لأنه ببساطة وضع مبدأ سيادة القانون في مواجهة شرعية صندوق الانتخابات، بما يخالف قواعد النهج الديموقراطي، الذي تأسس -وفق الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي»- انطلاقاً من شرعنة عملية انتقال الجماهير من الحال الطبيعية التي يتمتعون فيها بكامل حريتهم، إلى الحال الاجتماعية التي تحدهم فيها سلطة القانون، ومن ثم فإن خلق أغلبية أو إجماع عام عبر صناديق الانتخابات يعد من هذا المنطلق سبيلاً لتأكيد مبدأ سيادة القانون، فالدساتير والقوانين الصادرة عن تلك الكيانات المنتخبة التي تمثل إرادة الجماهير تعوض هذا الهامش الذي فقدوه من حرياتهم عندما انتقلوا من الحال الطبيعية إلى الحال الاجتماعية.
 
أما الثانية، فهي أن الأرقام التي طرحها مرسي في خطابه لطمأنة الناس بشأن وضع البلاد الاقتصادي لا تعني أن هناك مردوداً سيعود عليها، حتى وإن افترضنا صحة ما ذكره بخصوص ذلك، فالأرقام المتعلقة بميزان المدفوعات ونسبة عجز الموازنة وفائض العملات الأجنبية، لا تعني شعور الناس بتحسن في أحوالهم الاقتصادية، وفق ما ذكر المفكر الاقتصادي المصري جلال أمين في كتابه «وصف مصر في نهاية القرن العشرين»، فهناك الكثير من البنود التي يمكن إدراجها في الناتج القومي رغم كونها لا تعنى شيئاً حقيقياً بالنسبة إلى غالبية الناس التي لا يمكن أن تتحسن أحوالها المعيشية في ظل ارتفاع تلك المؤشرات من دون وجود عدالة في توزيع ثمرات هذا النمو الاقتصادي وتحسن في مستوى الخدمات وخلق فرص عمل للعاطلين.
 
أما العقبة الثالثة والأخيرة، فتكمن في التوظيف الأيديولوجي للأزمة الاقتصادية من قبل النظام والمعارضة على حد سواء، ففزاعة الأزمة الاقتصادية جرى استدعاؤها في البداية من قبل النظام، عبر تصريحات عدة أطلقها رئيس الحكومة هشام قنديل عبر وسائل الإعلام لحث الجماهير في شكل غير مباشر على التصويت بنعم لمشروع الدستور الذي سيؤدي إلى الاستقرار ودفع عجلة الإنتاج. إلا أن المعارضة تلقفت تلك التصريحات وبدأت تروج لمقولات شتى، كإفلاس الدولة وانهيار الوضع الاقتصادي... لإظهار عجز الرئيس عن تحقيق وعوده الانتخابية، ما خلق حالاً من البلبلة والضبابية لدى رجل الشارع العادي، ضاعفت من إحساسه بوطأة تلك الأزمة كما أفقدته الثقــة كذلـك في قدرة النظام أو المعارضة على علاجها.
 
فتلك العقبات تعكس في النهاية المحنة التاريخية التي تمر بها الثورة المصرية، التي اندلعت لخلع نظام تسلطي سعى باستخدام وسائله القمعية إلى بناء مركب سياسي مزج فيه بين قيم الرأسمالية المتوحشة على الصعيد الاقتصادي ومنطق «الأوليغارشية» العائلية على الصعيد السياسي من أجل الاستئثار بالثروة والسلطة، شأنه في ذلك شأن بقية النظم التقليدية المستبدة في المنطقة.
 
ولذلك، فإن إعادة إنتاج ذلك المركب من عباءة نظام يطنطن بالشرعية الثورية ويبرر بها قمعه الحريات وحصاره الإعلام وتعطيله سلطة القضاء، في ظل تبنيه سياسات اقتصادية تؤبد النموذج الرأسمالي الريعي الكمبرادوري الذي خلفه مبارك، مع تلاعبه كذلك بمخاوف الجماهير المتعلقة بالملف الاقتصادي ولقمة العيش لتوظيفها سياسياً في معركته مع معارضيه، يعني حدوث واحد من احتمالين: إما بقاء هذا النظام وانقطاع الامتداد التاريخي للثورة، أو خروجه بمفرداته السياسية والاقتصادية من الثورة والتاريخ معاً.
 
 
 
* كاتب مصري