التاريخ: كانون ثاني ٣, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
المنتظَر من الابرهيمي - سلام الكواكبي

يبدو أن المبعوث (الأممي؟) الأخضر الإبرهيمي ما زال مقتنعاً بفاعلية الديبلوماسية الناعمة وبوقع التعابير المنمقة وقدرتها على إخراج "الزير من البير" وإيجاد حل توافقي لوقف المقتلة السورية المستمرة. وهو يعتقد بالحصول على موافقة الأطراف المحلية كافة، بخلافاتها وتناقضاتها، وعلى رعاية "دولية" تعبت من عجزها وتريد حلاً بأي ثمن ولو كان على حساب فرض اتفاقيات مجحفة أو سيناريوات تشلّ المستقبل السوري أو تساعد على نمو بذور الانتقام المجتمعي على كل أشكاله.


وإن كانت الحياة وقفة عز، فيبدو أن الإبرهيمي قد تجاوزهذا المبدأ ولا يريد أن يذكره التاريخ ولو حتى بمقارنة بسيطة مع كوفي انان الذي ترك مركب اللهو العبثي مبكراً بعد أن شعر بعجزه المرتبط بانعدام الدعم الأممي لدوره، وبعد أن اقتنع بأن مهمته لم تكن إلا وسيلة لإطالة الأزمة في انتظار أن تتعب الأطراف وترمي بنفسها في "دايتون" أو "طائف" سوريين.


بالتأكيد، ليس منتظراً من الإبرهيمي وهو في خريف العمر والمهنة، بأن يعبّر في صولاته وجولاته عن رغبات وأماني الشعب السوري المجروح. ومطالبته بذلك هي من باب العواطف السياسية لمن يعيشون الألم، وهو بالتعريف وبالممارسة غير معني بهم. وعلى الرغم من دوره التوسطي في الأزمة، فهو مطالب على الأقل بأن يكون منسجماً مع إنسانيته وبأن يسجّل بعض المواقف التي، إن صدرت عنه، سيذكرها التاريخ بالتأكيد أكثر من عباراته الحذرة والجارحة في ديبلوماسيتها التي نطق بها في دمشق لإرضاء الناطور دون الحصول ولا على حبة عنب واحدة.


وفي المحصلة، فالسيد المذكور ليس إلا موظفاً، بحيث لا يجوز تحميله مسؤولية عجز القوى الفاعلة دولياً، ولا استهتار القيادات السياسية والأمنية في دمشق بالحياة الإنسانية، ولا تقاعس المعارضين السوريين بمختلف مشاربهم عن اختراع العجلة ووضع تصور واضح وصريح لما ستؤول إليه الدولة السورية المستقبلية.


لكن، من المطلوب حتماً أن يُحاسب التاريخ كل من شارك في تعزيز آلام الضحايا وبأن يلفظ التاريخ كل من ساعد في إطالة أمد الأزمة وبأن تحفظ الذاكرة المسؤولية الأخلاقية لكل العناصر والقوى التي ساهمت، من قريب أو من بعيد، في تمييع الحقوق وفي تبرئة المسؤولين الحقيقيين عن المقتلة. وربما تكون الصحوة المتأخرة قاتلة، فقد انتحر أخيراً الجنرال الهولندي الذي سمحت قواته في إطار إهمال مهمتها لحفظ السلام في البوسنة بتنفيذ مجزرة في سربرينيتشا سنة 1995.


الذاكرة ليست فقط جزءا من العدالة الانتقالية الداخلية للشعوب بعد أن تتجاوز محنتها الاستبدادية او الاستعمارية أو الاحتلالية، بل هي أيضاً، وسيلة كونية تُستعاد بعد عقود وقرون لتسجيل المواقف وتقويم الأداء ومحاسبة الفاعلين الأساسيين أخلاقياً. ولن تنسى الذاكرة الإنسانية مسؤولية كل من ساهم في زيادة آلام السوريين أو إطالة مدة الموت. وسيقيم السوريون متاحف للذاكرة تسجّل فيها أسماء الجلادين والضحايا وكذلك، الصامتين عن موتهم.

 

استاذ جامعي في باريس