التاريخ: كانون الأول ١٤, ٢٠١٢
الكاتب:
المصدر: موقع الوطن المصري
رئاسة بطعم الخلافة!!

شهدت الفترة الأخيرة ضغوطاً إسلامية متزايدة استهدفت تركيز المزيد من السلطات فى يد الرئيس؛ فبعد أن آلت إليه السلطة التشريعية، إضافة إلى سلطته التنفيذية الأصيلة، فاجأنا بإعلانه «غير الدستورى» قبل الأخير، الذى حصن قراراته تجاه الطعن عليها أمام أية جهة قضائية. لم يتخل الرئيس عن هذا الإعلان إلا بخلع الضرس، بعد تظاهرات شعبية مؤثرة قادها الشباب الثورى، قدم بعض التنازلات تحت وطئة الضغوط، إلا أنه أصر فى المادة الرابعة من الإعلان الأخير على الاستمرار فى تحصين إعلاناته «الدستورية» -بما فيها هذا الأخير- تجاه الطعن القضائى أيضاً!!
 
صحيح أن هذه النزعة لتركيز السلطات فى يد الرئيس هى تعبير عن رغبة الإخوان فى التمكين، تحسباً لمواجهة أحكام قضائية معاكسة متوقعة، لكن تعنتهم فى الأزمة الأخيرة -على العكس من مرونتهم السياسية المعروفة- ظل دون تفسير مقنع، بالإضافة إلى الرغبة فى التمكين، يمكن تفسير هذا التعنت بسببين إضافيين: الأول معنوى يتعلق بشعور دفين بالتخوف من التنازل أمام كتلة شعبية مفاجئة آخذة فى الاتساع، رافضة لسياساتهم وإدارتهم المرتبكة للبلاد، وهو ما تجسد فى حجم التظاهرات المعارضة ونفسها الطويل. أما التفسير الثانى للسلوك الرئاسى والإخوانى المتعنت، فهو أنه جاء استجابة لضغوط الشارع الإسلامى كله -لا الإخوان وحدهم- وهى ضغوط كان من الصعب على الرئيس والجماعة مقاومتها، حتى لو أرادوا تقديم المزيد من التنازلات لأسباب سياسية قد يقدرونها. هذه الضغوط -خاصة من السلفيين- هى تعبير عن حنين ذهنى وعاطفى واضح لنموذج الخلافة، بالمعنى السلبى الذى ساد التاريخ الإسلامى منذ تحول نظام الحكم بعد الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض، نموذج يكرس السلطات كلها فى يد الخليفة ويضعه منفرداً على رأس النظام السياسى والاجتماعى كله، متحكماً فى جميع المؤسسات تحته، لا رأساً للسلطة التنفيذية وحدها، إلى جانب السلطتين التشريعية والقضائية.

 

فى المقابل، وفى اللحظة التى أرادت فيها الرئاسة والجماعة أن تنزل -تكتيكياً- على رغبة الشارع -ولو بدرجة محدودة- وأن يتنازل الرئيس عن تحصين قراراته التى كانت تنص عليها المادتان الثانية والسادسة فى الإعلان قبل الأخير المرفوض، فى هذه اللحظة بالذات كان من الطبيعى أن يتم استدعاء شخصيات كالدكتور سليم العوا والدكتور كمال أبوالمجد ليتصدرا الواجهة -بعد غياب- باعتبارهما من أبرز رموز التجديد فى الفكر السياسى الإسلامى المعاصر، والذين طالما أكدا أنه ليس فى القرآن ولا فى السنة ما يُلزمنا بما يسمى «نظام الخلافة»، وأن الصحابة لم يقصدوا به نظاماً سياسياً بعينه، وإنما قصدوا فقط مبايعة «خليفة» تالٍ للرسول الكريم، متبع لنهجه، وأن القرآن والسنة لا يتضمنان ما يتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات، مما يضمن تفادى الوقوع تحت طائلة مقولة «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة». أمن تصدير هذين المجددين رفيعى القائمة تفادى ردود الأفعال الغاضبة من الشارع الإسلامى، خاصة السلفيين، تجاه ما بدا وكأنه هزيمة أو تراجع عن نموذج الخلافة بالمعنى السلطوى، القابع فى أذهان القطاع الأكبر منهم. لم يكن الشارع الديمقراطى فقط هو الحاضر والمؤثر والضاغط فى عملية الإدارة المتعثرة للأزمة كما قد يظن بعض أنصار التيار المدنى. ستظل مصر لفترة قادمة أسيرة الصراع والجدل بين نموذجى الخلافة السلطوية والرئاسة الديمقراطية، والتوفيق الجاد بينهما أمر لا فكاك منه لاستقرار هذا البلد، بحيث تكون هى التى تراقبه فى تطبيق الشرع، وإذا انحرف عن الشرع نصحته، وإلا عزلته.