التاريخ: كانون الأول ١٠, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الرأي - الاردن
أصل الحكاية في الأزمة المصرية - طاهر العدوان

بعد ثورة يناير في مصر تداول المصريون حكاية حول مبارك تقول انه و بعد ثلاثة ايام من الحشود المليونية في ميدان مصر كان يتساءل مستغربا امام من حوله « هم العيال لسه هنا ما مشوش « ويقصد مليونية المعتصمين آنذاك في ميدان التحرير . اليوم تسرد حكاية اخرى عن الرئيس المنتخب محمد مرسي وهي انه عندما سئل عن رأيه بالحشود الشعبية المعارضة التي احتشدت امام قصر الرئاسة يوم الثلاثاء الماضي أجاب « كلهم خمسه» مشيرا بأصابع يده الواحدة وهو يقصد ان عددهم ٥ آلاف متظاهر .


من الظلم مقارنة مرسي بمبارك فالرجل لم يمض على رئاسته سوى بضعة أشهر ولم يدخل سجل الديكتاتورية وكل ما فعله ويفعله هو اصدار القرارات الخاطئة ثم التراجع عنها ، ويبدو انه اليوم بصدد التراجع عن قراراته الاخيرة التي قسمت الشارع المصري وتهدد بانتشار العنف والفوضى ، ما يؤخره عن ذلك هم من حوله الذين ( كبروها في راسه ) بحجة هيبة الرئاسة والشرعية وغير ذلك من مغريات الانزلاق نحو الديكتاتورية ، ففي الدول الديموقراطية لا يتراجع المسؤول فقط انما يستقيل باستطلاعات الرأي اذا حملته مسؤولية الفشل في قضية ما .


لقد أثبتت الحالة المصرية من الربيع العربي ان « حسابات السرايا غير حسابات القرايا « . مبارك من قبل كان قد تجاهل حركات الاحتجاج الصغيرة ، التي كانت تظهر في بلاده ، الى ان تراكمت وصنعت ثورة يناير التي جاءت مثل « سونامي» لتقلب كل شئ رأسا على عقب ، ومشكلة مرسي انه انساق الى تصديق لعبة الاستهانة بالمعارضة وبان المسألة بينه وبين الاخوان من جهة وبين القوى والتيارات السياسية ونخبها هي مسألة أرقام، وانه ما دامت التيارات الاسلامية قد حصلت على اغلبية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية فان المعارضة ليس لها سوى خانة الأرقام المتواضعة وان القدرة على الحشد الجماهيري تبقى احتكارا للأغلبية .


لقد قدم الربيع العربي من الدروس ما يكفي للإقرار بحقيقة ان غضب الشعب لا يقاس باعداد المحتجين في مكان ما وفي لحظة زمنية معينة ، انما بقدرتهم على تحويل احتجاجهم الى قناعات في الرأي العام قد تتحول الى تسونامي شعبي . ولولا هذه القناعات لما كان في مقدور المعارضة المصرية الاستمرار في الفعاليات الاحتجاجية على مدى أسبوعين و بتحكم دقيق في تسكين هذه الفعاليات حينا ، ورفع زخمها حينا آخر كما شاهدنا ليلة الجمعة - السبت حول قصر الرئاسة .


من جانب آخر تظهر احداث مصر الراهنة الدور الفاعل للنخب السياسية ، مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي وحمدين صباحي وعبد المنعم ابو الفتوح وغيرهم فهم وان كانوا لا يملكون أحزابا جماهيرية لها تجربة وعمر طويل الا انهم اثبتوا قدرتهم على صناعة المواقف التي تلقى التأييد الشعبي الواسع في اللحظات الحاسمة ، وكما يقول محمد حسنين هيكل بان النخبة وان كانت لا تملك الخبرة في خوض الانتخابات الا انه بدونها لا يمكن صناعة النهضة او التغيير .


في هذه المرحلة التي تندفع فيها مصر الى حافة الانشقاق الاهلي سيكون للنخبة الدور الاكبر في تجنب الكارثة واذا كانت دعوة مرسي للحوار الوطني لم تلق القبول فذلك لانه لم يوفر بعد المناخ ، لدفع القوى والنخب الى المجئ الى طاولة الحوار من خلال التراجع عن ما لا بد من التراجع عنه وهو القبول بإعادة كتابة دستور بمشاركة وموافقة جميع الأطراف فهذا هو اصل الحكاية في الازمة المصرية .