التاريخ: كانون الأول ٣, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
إيران إذْ تَحرِف نقاشاً وطنيا أردنياً مطلوباً - محمد برهومة
ربما يكون من السهل الاستنتاج بأن العرض الذي طرحه قبل أيام السفير الإيراني في عمّان، مصطفى مصلح زاده، والخاص باستعداد طهران لتقديم النفط إلى الأردن لمدة 30 عاماً، هو عرض للدعاية الإعلامية والسياسية أكثر من كونه عرضاً حقيقياً وجادّاً. فإيران تدرك السياقات والخطوط التي يتحرك الأردن من خلالها في علاقاته وتحالفاته الخارجية، وليس ثمة ما يؤكد حالياً أن تلك السياقات على استعداد لقبول العرض الإيراني، الذي جاء مشروطاً من دون مواربة: «النفط مقابل السياحة الدينية للشيعة».
 
العرض الإيراني رسالة مزدوجة إلى الشعب الأردني ودول الخليج العربية، ففي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الأردن نتيجة عجز الموازنة وتزايد المديونية العامة، ثمة تطلّع أردني، رسمي وشعبي، إلى دول الخليج للمساعدة في تقديم دعم مالي للأردن، لمّح رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور إلى أن احتمالات ألا يصل قائمة، فيما تقول مصادر إنه قد يأخذ بعض الوقت، وهذا التجميد أو التأخير، وجدت فيه طهران، على الأرجح، فرصة لإطلاق عرضها، الذي قابله بعض الأردنيين بنبرة من «المظلومية»، لسان حالهم في ذلك: «لمَ لا نقبل بهكذا عرض وقد تُركنا وحدنا»؟! علاوة على ذلك، نجد أن العرض الإيراني خاطب الأردنيين بالعزف على وتر أن «عدونا واحد، والكل يعرف ذلك، وكان ولا يزال يحاول تفرقة المسلمين كي يسيطر على المنطقة»، كما قال السفير زاده، في إشارة إلى إسرائيل.
 
المفارقة في الأمر أيضاً، أن مسوغات العرض الإيراني والتأخير المفترض فــــي وصول المساعدات الخليجية إلى الأردن يلتقيان عند تفــــاعلات الموقف الأردني مع الملف السوري، فالقبول الأردني بعرض طهران سينسحب، بالمحصلة، دعماً للموقف الإيراني المساند بقوة للنظام السوري، فيما لا تخفي، في المـــقابل، أطراف خليجية مــــطالبها للأردن، الــــذي تــريد مساعدته مالياً، بأن يكون أكثر انخراطاً في تقديم التسهيلات والعون اللازم للتعجيل بإسقاط نظام الأسد.
 
الرسالة الإيرانية بخصوص السياحة الدينية واضحة، فالمسؤولون الأردنيون يؤكدون أنه لا يوجد ما يمنع استقبال السياح الإيرانيين بالمطلق، وأنّ هناك بالفعل، كما أكّد وزير السياحة والآثار، نايف الفايز، أعداداً منهم تصل إلى المملكة سنوياً لغايات السياحة الدينية.
 
المهم هنا، أن مثل هذا الجدل يتيح المجال لمناقشة أعمق لعلاقة الإقليمي بالمحلي والخارجي بالداخلي في الحالة الأردنية، وهي حالة أصبحت في حاجة ماسّة للتفكير بها في شكل أكثر إبداعاً وتفكيكاً، بعيداً عن المقولات الرائجة في هذا المجال. فعلاقة الأردنيين بدول الخليج تاريخية ومتجذرة، والتقارب والتحالف الأردني - الخليجي سياسياً وأمنياً وعسكرياً معروف وعميق، لكنّ السؤال: هل الأردن هو هذا فقط؟ وهل هذه فقط بضاعة المملكة الأردنية: دولة وظيفية أو صمام أمان لدول الخليج؟ الأردن، بالتأكيد، في ظل أزمته الاقتصادية الخانقة، يرحّب بالدعم المالي الخليجي، والحكومة باتصالاتها الكثيفة منذ أيام مع المسؤولين الخليجيين ترغب في وصول هذا الدعم بأقرب وقت، ونسج علاقات أعمق مع الخليجيين، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحاً: إذا جاء الدعم إلى الأردن من الأصدقاء في الخليج... هل يتوقف هذا البلد، الضعيف الموارد المادية، الغني بموارده البشرية، عن الإصلاح السياسي والاقتصادي؟
 
إن عقل الدولة الأردنية الاقتصادي يجب أن يكون معنياً اليوم بشدة بأن يكون تخطيطه لمستقبل الأردن قائماً على اتكاء أقلّ على المساعدات الخارجية، ومنها الخليجية، ليس لأنه لا يحتاجها؛ بل لأنّ حصر خياراته في الخروج من أزمته بها يحيل تلك الأزمة المتكررة إلى مرض عضال لا فكاك منه. هذا مسلك صعب بالتأكيد، لكن لا مفرّ منه. والمؤسف أنّ العرض الإيراني، حتى لو افترضنا صدقه، من شأنه أنْ يحرف فاعلية أي نقاش وطني أردني ضروري من هذ النوع.
 
 
 
* كاتب أردني