| | التاريخ: كانون الأول ٣, ٢٠١٢ | المصدر: جريدة الحياة | | «إخوان» بن كيران - محمد الاشهب |
في المغرب أيضا يواجه إخوان عبد الإله بن كيران العاصفة. فقد زادت حدة معارضة الحكومة إلى درجة خلط الأوراق. ولم تعد مهام النقد تنبعث من مقاعد المعارضة. بل تنطلق من فنادق محسوبة على الائتلاف الحكومي. تارة بمبرر التحذير من مخاطر توتر مقبل، في حال أقدمت الحكومة على رفع أسعار استهلاك الماء والكهرباء، وتارة بدعوى صون الاختلاف. غير أن كل ذلك يتم تحت سقف البرلمان في لعبة شد الحبل بين المعارضة والحكومة. ولا ضرر في أن تفيض الكأس، إذ يدخل الشارع من خلال المركزيات النقابية أو احتجاجات الطلبة حملة الشهادات الجامعية أو تظاهرات مزارعين بسطاء،على خط المواجهة التي تدور غالبا داخل مربع الملفات الاجتماعية. والتصقت المواجهة، سواء خفت أو احتدمت على إيقاع التطورات، بالواقع أكثر منها بخلفيات دينية أو إيديولوجية. ومنذ تعرض الشارع المغربي مطلع القرن الحالي إلى بوادر انفجار وتقسيم، لدى طرح إشكالات تطاول أوضاع المرأة ومرجعية إصلاح مدونة الأسرة، اهتدى المغاربة إلى وصفة وفاقية لتجنب الصدام، أقربها إبعاد الحقل الديني عن الصراعات السياسية. بل إن طروحات المعارضة الأكثر واقعية لا تعيب على حكومة عبد الله بن كيران أنها ذات نزعة دينية، بل تصفها بغلبة اتجاه محافظ يكاد يضع كافة شركاء الائتلاف الحكومي، بمن فيهم الشيوعيون القدامى، في سلة واحدة. والحال أن سقف المواجهة لا يحيد عن أوفاق تبادل اللكمات، وأحيانا تحت الحزام، بين المعارضة والحكومة من دون أن يتعداه إلى هوية ومرجعية الدولة. وساعد إقرار دستور جديد على تجاوز هكذا مأزق، فيما انبرت قوانين الأحزاب التي صدق عليها بالإجماع الى حظر تشكيلها من منطلقات دينية أو عرقية أو قبلية. وبدا أن التصديق الذي جاء قبل اندلاع الربيع العربي واعتلاء الحركات الإسلامية واجهة المسؤولية كان أشبه بضربة استباقية نزعت عن المشهد الحزبي بوادر الانفجار. لا يعني هذا البتة أن الصورة خالية من الخلفيات الدينية. ولولا أن»العدالة والتنمية» الإسلامي حاز الصدارة وقيادة الحكومة لما ارتدت الانتقادات الموجهة ضد الجهاز التنفيذي طابع المغالاة في تعقب الهفوات، مع أن التجربة بالكاد أكملت عامها الأول. غير أن نقطة الضوء التي تبعث على تهدئة الخواطر تكمن في أن أنواع المعارضات التي عرفها المغرب ركزت دائما على انتقاد أداء الحكومات المتعاقبة، ولم تنصرف إلى النظام. والحال أن بعض الأزمات الناشئة في قلب الحراك السياسي في بلدان الربيع العربي نتجت عن تباين الرؤى حيال طبيعة الأنظمة التي يراد إقامتها. بل إن خلافات صارخة طاولت أسس المرجعيات التي يراد التعاطي معها في بنيات الدولة الناشئة. وفيما بدت معارضات عربية تتخذ من الشارع ملاذا لتصريف المواقف، بعدما واجهت الأبواب والنوافذ المغلقة في الهامش الديموقراطي، ذهب رئيس الحكومة المغربية إلى التشكيك في نيات بعض معارضيه. إذ أعلن أنهم ينحون في اتجاه تقويض أسس الدولة، وقدم أسئلة عن ذلك بإشكالات دينية وأمنية ركز فيها على مسؤوليات وزارة الشؤون الإسلامية وأجهزة الاستخبارات، فكان بذلك أشبه بمن يصر على قلب الطاولة. غير أن كلامه الذي سرق الأضواء من بعض فصائل المعارضة، وتحديدا من خلال استخدام المؤاخذات التي كانت تسجل ضد حكومته، فهم بمثابة إقرار خطوط حمراء في الجدل السياسي الدائر. ومع أن المناسبة كانت تطاول تقويم أداء الجهاز التنفيذي في الملف الساخن، تحت شعار أوضاع حقوق الإنسان التي عرفت بعض التراجع في إطلاق الحريات، فإن ذهابه بعيدا في إحراج خصومه كان يراد بهدف التموضع في خانة الدفاع عن الدولة وليس الحكومة فقط. من هذا المنطلق تتغاير تجربة إسلاميي المغرب مع نظيراتها في بلدان أخرى. قد يعزا ذلك إلى أن الحزب الإسلامي تدرج عبر ممارسات حزبية في نطاق الشرعية، وعرف كيف يحول الانتساب إلى المعارضة إلى آلية ساعدته في القفز نحو الحكومة. وقد يكون مصدره أن التمرس التدريجي على الديموقراطية يحد من الاندفاع والمغالاة. ذلك أن إخوان بن كيران تعرضوا لأصناف من المضايقات، كادت تشطبهم من المعادلة السياسية. فاستوعبوا الدرس بما يقلل هامش الخطأ. لو لا أن إصرار رئيس الحكومة على حظر حزب»البديل الحضاري» ذي النزعة الإسلامية لا يليق بمن عانى من ضروب الخناق والتضييق، وإن ترك الباب مفتوحا أمام لجوئه إلى القضاء. في أي صراع سياسي، تنتصب حدود فاصلة بين درجات التهور، أكان صادرا عن أهل القرار أو عن معارضيهم. واحترام اللعبة الديموقراطية وحده يكفل عدم الانسياق وراء التطرف. ولا أخطر من أن تصبح المعارضة رقما ملغيا أو يستهان به أمام جنوح الغالبية. فثمة قضايا لا تحسم بغلبة الأصوات، بل باستخدام الحكمة. ومن كان اليوم يفاخر بغالبيته قد يتدحرج إلى أقلية، إن لم يحسن استعمال نفوذه بقوة الوفاق القانوني. أما القضايا الاجتماعية التي لا يسلم منها أي بلد، فالاجتهاد في معالجتها لا يلغي قاعدة الود في طرحها.
| |
|