التاريخ: كانون الأول ٢, ٢٠١٢
الكاتب:
المصدر: شبكة الوحدة الاخبارية - الاردن
إعلان مرسي الدستوري وأزمة الإخوان

أدخل الإعلان الدستوري للرئيس المصري محمد مرسي، الأسبوع الماضي، مصر في أزمة هي الأعمق منذ انتصار الثورة، وانتخاب رئيس إخواني. هذا الإعلان الذي يُركّز السلطات الدستورية، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية بيد مرسي، يعكس أزمة المشروع الإخواني للدولة في مصر وفي غيرها من البلدان العربية.


المسألة الأولى هي في تصور الإخوان للمشاركة السياسية وللدولة. فبالرغم من تبني الإخوان لشعارات "المشاركة لا المغالبة"، إلا أن ما حصل في مصر يدل على أنه لم يكن سوى شعار تكتيكي، لأن الذي حصل بعد الثورة هو العكس تماماً. فبعد فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية، حاول، وما يزال، أن يتفرد بالسلطة وبمكتسبات الثورة، وثم الإقصاء الممنهج للقوى كافة؛ السياسية والمدنية، التي أطلقت شرارة الثورة، وساهمت في إنجاحها، سواء من خلال الهيمنة على الهيئة التأسيسية للدستور أو في الإعلان الدستوري. وهذا يختلف تماماً عما قام به حزب النهضة التونسي بعد فوزه في الانتخابات؛ إذ شكّل تحالفاً ضم تيارات سياسية في المرحلة الانتقالية.


ليس صحيحاً ما يدعيه أنصار مرسي بأن معارضي الإعلان الدستوري هم من فلول النظام السابق، إذ لا يمكن أن يعتبر محمد البرادعي، وأيمن نور، وعبدالمنعم أبو الفتوح ( إسلامي منشق عن الجماعة)، وحمدين صباحي من فلول النظام السابق. وبالتالي، سقط مُرسي في الاختبار الحقيقي الأول الذي واجه رئاسته.


ثانياً، إن الأزمة الحالية في مصر تعيد طرح التساؤل حول إمكانية أن تنجز حركة دينية مشروعاً ديمقراطياً كالمشروع الذي طالبت به قوى التغيير في مصر، لأن الدول الديمقراطية تقوم على التعددية السياسية، والمشاركة الشعبية، والحريات الفردية؛ وهذه كلها تتناقض مع مشروع الدولة الدينية. فجماعة الإخوان المسلمين حركة دعوية، ولكنها انخرطت في العمل السياسي من خلال حزب الحرية والعدالة الذي أنشاته الجماعة. وفي واقع الحال، هذا ينطبق على حركات الإخوان في المنطقة؛ إذ إن الجماعة لا تستمد قوتها من المشروع الديمقراطي، بل من البُعد الدعوي والخيري والمعارضة للأنظمة السابقة. فالأحزاب الدينية تتناقض مع الديمقراطية، لأنها لا تؤمن بها، بل تريد أن تستخدمها وسيلة لتنفيذ برنامجها الديني والاجتماعي، وعندما تصل إلى السلطة تنفرد بالقرار وحيدة.


إن الربيع العربي لم يؤد بعد إلى تحول في أيديولوجيا وفكر الحركات الإسلامية (وبخاصة في بلاد المشرق)؛ وعليه، فإنها لم تغير من توجهاتها، ما يتناقض مع المشروع الديمقراطي. والشيء نفسه أعلنه أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي قبل يومين في الجامعة الأردنية، حين قال إن الهدف الأساسي لحزبه هو إقامة دولة إسلامية. فهذا يعكس أن الأحزاب السياسية المنبثقة عن الإخوان المسلمين ليست أحزاباً سياسية محترفة، قائمة على تمثيل مصالح فئات محددة، بل هي تحتكم إلى مرجعية عقائدية، وبذلك فهي خاضعة لحركة الإخوان المسلمين الدعوية.


أما المسألة الثالثة، فهي أن الإخوان المسلمين ليس لديهم برنامج إصلاحي اقتصادي، واجتماعي، وسياسي؛ بل لديهم مشروع سياسي يتلخص في الوصول إلى السلطة. وكل المطالب التي تتبناها الجماعة في أغلب الدول العربية تتلخص في تغيير القوانين الناظمة للعمل السياسي. ولا يوجد أي شيء في برامج تلك الحركات حول الحريات السياسية والمدنية، والحريات الفردية، وحقوق المرأة، والأقليات. هذه المسائل تعتبر ثانوية بالنسبة لهم، والأساس هو السلطة. وعندما تأتي هذه الحركات إلى السلطة ( كما هو الحال في مصر)، فإنها تمضي في مشروعها لتحويل الدولة إلى دولة ثيوقراطية.


إن الديمقراطية تشكّل تحدياً للحركات والأحزاب التي تطرح حلولاً دينية للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغاية في التعقيد التي تواجه العالم العربي اليوم. ولم تستطع هذه الأحزاب أن تقود تحولاً فكرياً وسياسياً وأيديولوجياً يتماشى مع تطلعات الشعوب العربية التي تتوق إلى الحرية والعدالة والديمقراطية، وإن استطاعت أن تصل إلى السلطة فإنها إما تتحول إلى أنظمة تسلطية ثيوقراطية، أو تواجه المصير المحتوم نفسه للأنظمة الشمولية السابقة.