التاريخ: كانون الأول ٢, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
«البرادعي عميل وحمزاوي فلول» - حازم الامين
سريعاً ما أقلع كثيرون ممن حملهم «الربيع العربي» الى مواقع التغيير عن كونهم «ثواراً»، وذلك بفعل الهبّة المصرية الأخيرة في وجه الرئيس الإخواني محمد مرسي. أصدقاؤنا الإخوانيون، أو الذين من مجتمع الإخوان، أولئك الذين ربطتنا بهم علاقات سنوات في الظل وفي المعارضة وفي مكابدة سلطات جائرة، المختلفون عنا، لكنْ القريبون والودودون، ها هم اليوم سلطة أنجزت خطابها وتستعد لجولة التهام أين منها تلك الجولات التي صال فيها الحكام العرب الذين أطاحهم ربيعنا وربيع الإخوان المسلمين.
 
فجأة انتقل «الثوار» الى موقع السلطة، وبضربة «كي بورد» واحدة صار عمرو حمزاوي مثقف الفلول ومحمد البرادعي عميلاً أميركياً تآمر على العراق، وتذكر هؤلاء ان حمدين صباحي فاز في مجلس الشعب بأصوات الإخوان المسلمين. مَنْ قال ذلك هم «ثوار» الإخوان وأقرباؤهم الذين كانوا قبل أقل من سنتين ضحية هذه اللغة. اللغة نفسها تماماً، ذاك أنهم لم يُمضوا أياماً في السلطة تكفي لإنتاج لغتهم الخاصة. سريعاً ما استعانوا بلغة السلطة المندحرة. هم ليسوا مسؤولين في الإخوان المسلمين، وفي السنوات الأخيرة لم يبق من ايمانهم سوى طقوس وممارسات لا تقطع معنا نحن غير الممارسين. انهم صحافيون ومثقفون وباحثون كنا نعتقد ان ما يفرقنا عنهم قليل وما يجمعنا بهم كثير، وإذا بهم يطردوننا من لغتهم ومن سلطتهم لمجرد أننا تظاهرنا ضد السلطان. انه سلطانهم ومن تبقى هم... فلول الثورة.
 
انها السلطة الجائرة نفسها. محمد مرسي بلغته المستجدة والمتعالية يرفع سُبابته في وجهنا. السُبابة عينها، والتي يبدو ان لا حياة لسلطة من دونها، فكيف اذا كان الحاكم اســلامياً يعتقد ان سلطته غير زمنية وأننا رعاياه ومن يخرج منا عن طاعته لا يستحق إلا ان يكون فلولاً.
 
والحال ان الإخوان المسلمين كانوا سلطة قبل ان يفوزوا بالسلطة. كانوا سلطة موازية، وسلطة بلا لغة ولا مشروع. الأنظمة المتداعية كانت تركت لهم هامشاً سلبياً أقدموا فيه على التماهي مع المجتمعات النائمة، فأنشأوا فيها تجاراتهم ومؤسساتهم ومساجدهم كجماعة «إحيائية»، واستمروا على ما هم عليه الى ان لاحت الفرصة، فانقضت السلطة النائمة على الفراغ الذي خلفه سقوط الأنظمة، وخرج محمد مرسي رافعاً سُبابته.
 
لكن المذهل في السلطة الجديدة هو نخبها، ذاك ان الخبرة في المعارضة أو في الثورة لم تُكسِب هؤلاء مناعة تقيهم شر السقوط في فخاخ سقطت فيها قبلهم الأنظمة المتداعية. صور ساحة التحرير خالية على صفحاتهم على «فايسبوك» كانت مهمتها القول إن التظاهرة ضد مرسي (سلطانهم الجديد) فشلت. التقنية نفسها التي استعملها نظام «البعث» في سورية عندما قال ان المتظاهرين في دمشق خرجوا محتفلين بالأمطار بعد أشهر من الجفاف. هل يمكن هذه اللغة ان تكون لغة سلطة منبثقة من ثورة؟ ان تكون لغة مثقفي السلطة وكتابهم ووجوهها؟ لقد جرى ان انتشرت صورة ميدان التحرير وهو خالٍ من البشر قبل التظاهرة على صفحاتهم على «فايسبوك»، وقالوا في تعليقاتهم إنه الميدان في أثناء التظاهرة.
 
نعم الإخوان سلطة مضاعفة، انهم سلطة مجتمع ما قبل الثورة وما قبل كل شيء، وهم اليوم سلطة الدولة. وسلطة مشحونة بهذا القدر من الطاقة السلبية والرجعية لن تصمد كثيراً، فالتجربة القصيرة للإخوان المسلمين في مصر وفي تونس تؤشر الى حجم الأخطاء والى انعدام المرونة. فشل في الاقتصاد وفشل في التعامل مع الحريات التي أنتجتها الثورات، وانعدام القدرة على الخروج من الثوب الإخواني غير الفضفاض على مستوى اللغة وعلى مستوى الظهور الإعلامي، وعجز مفجع في التمييز بين المواطن وبين المؤمن، وتعثر في مخاطبة مَنْ هم خارج المساجد. وها هو محمد مرسي لم يجد إلا السُبابة ليخاطب بها المصريين، وقد اختار الرئيس أنصاره فقط ليبتسم لهم، ولم يشعر أن من يعتصم في ميدان التحرير انما هم «رعيته» أيضاً. فهؤلاء بحسبه خارج المسجد.
 
الهبّة المصرية كشفت الكثير من مضامين السلطة الإخوانية، وسقطة الاستيلاء على الدولة وعلى السلطات لم تكن خطأ عابراً. انها جوهر السلطة الإخوانية التي لا تملك الا الخبرة التي حصلتها خلال عيشها في جوار السلطة المندحرة. السلطة كلها في يدنا، والا لا تستقيم «الولاية» على الناس، ثم ان الوعي الإخواني أضاف إلى هذه المعادلة عمقاً جوهرانياً، وهو النص الديني الذي لم يكن يملكه ولا يدعيه الطاغية المتهاوي.
 
التماهي المطلق مع سلطة ما قبل الثورات، والتماهي المطلق أيضاً مع سلطة ما يتوهمه الإخوان انه «المجتمع»، هذان التماهيان أخرجا الحاكم الجديد من قصره رافعاً السبابة في وجه المصريين.
 
«لا شيء إلا نحن... ولا أحد إلا نحن»! لم ينتبه أصدقاؤنا الى حجم الغطرسة التي ينطوي عليها ما قاله وما فعله إخوانهم المسلمون. ولن يُصدق المرء ان أقل من سنتين في السلطة خلّفت كل هذه النشوة. لا بد من ان لهذه الغطرسة أصلاً آخر في ثقافتهم، وأن خبرة سلبية في السلطة كانت تنبني في ظل عيشهم تحت جناح الحاكم.
 
صورة ميدان التحرير خالياً من المتظاهرين، هي الجواب الإخواني الافتراضي عن الهبّة المصرية. تنتمي هذه المعادلة الى ثقافة «فلولية» من دون شك، لكنها أيضاً، في حالة الإخوان المسلمين، تضرب بجذورها في ثقافة أخرى.
 
الجواب موجود في مسودة الدستور المصري الجديد، وفي تحول حركة «إحيائية»، على ما عرّفها راشد الغنوشي، الى سلطة. وهو ما يعني ان سلطة الإخوان موظفة اليوم لإحياء الشريعة في الدستور وفي القانون وفي المجتمع.