التاريخ: تشرين الثاني ٣٠, ٢٠١٢
المصدر: nowlebanon.com
زهرة في غزة - حازم الامين

دُهشَت، لا بل ذُهلَت، الممانعة اللبنانية من زيارة وفد من "14 آذار" قطاع غزة. سخِرت صحفها ووسائل إعلامها من الزيارة، وحفلت مواقع تواصل اجتماعي بتعليقات تشي بإحباط ألمّ بها.

الزيارة على فولكلوريتها وغرابتها مؤشر يمكن البناء عليه. لم تعد غزة لـ "8 آذار الإقليمية"، وهذا يُفسر جزءاً من مرارة الممانعين اللبنانيين، لكن ثمة بعداً آخر شعورياً وليس سياسياً للمرارة. فقد تركزت "الدهشة" من الزيارة على مسألة أن عضو كتلة "القوات اللبنانية" انطوان زهرة كان عضواً في وفد "14 آذار". "القوات اللبنانية" التي لا يحفل تاريخها بتضامن مع القضية الفلسطينية، والتي ربطتها سابقاً علاقة بإسرائيل، و"القوات اللبنانية" المتهمة بمجزرة صبرا وشاتيلا.

 

والحقيقة أن كل هذا صحيح، و"القوات" نفسها لا تنكر معظمه، لكنه في الحقيقة ليس السبب الحقيقي لذهول الممانعة، ذاك أن الأخيرة تضم في صفوفها قوى يحفل تاريخها القريب بمحطات أشد دموية في العلاقة مع القضية الفلسطينية ومع الفلسطينيين في لبنان، وتضم أيضاً من ربطتهم بإسرائيل علاقات أكثر حميمية وجدة، وكل هذا لم يفضِ الى مرارة كتلك التي أحدثتها زيارة زهرة قطاع غزة.

 

فلنبدأ أولاً بحقيقة ان قوى "8 آذار" هي نفسها القوى التي استقبلت القائد السابق للقوات اللبنانية ايلي حبيقة، الذي ارتبط اسم القوات بمجزرة صبرا وشاتيلا عبره، ويومها كان سمير جعجع في صومعته في شمال لبنان.

 

وبما أن اللائحة طويلة جداً، فلن نطيل الشرح والتذكير، وسنكتفي بعرض سريع للمحطات الدموية التي ربطت قوى "8 آذار" بالشعب الفلسطيني وبمخيماته في لبنان.

 

ثانياً ستكون حتماً حرب المخيمات التي خاضتها حركة "أمل" ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتي راح ضحيتها أضعاف عدد الفلسطينيين الذين قضوا في مجزرة صبرا وشاتيلا. حركة "أمل" بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، عراب "8 آذار" وثعلبها على ما يحلو لنرجسيي الممانعة تسميته. والجميع يذكر أن مسؤولاً في حركة "أمل" صادر في حينها سيارات "الإطفائية" التابعة لبلدية بيروت وقرر ملأها بالبنزين والتوجه بها الى مخيم برج البراجنة لإحراقه بسكانه.

 

أما ثالثاً فلن نحتاج لإجهاد ذاكرتنا لاستحضارها، اللجوء الى "غوغل سيرش" يعفينا من ذلك، فيا أيها الممانع اللبناني ما عليك سوى أن تضع عبارتي "ميشال عون – المتحف" حتى تظهر لك صورة جنرال "8 آذار" مستقبلاً ضباطاً إسرائيليين في منطقة المتحف، وترتسم على وجهه ابتسامة أين منها ابتسامته اليوم في حضرة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.

 

كل هذه الوقائع مسكوت عنها في خطاب الذهول والإحباط، لا بل إن الذاكرة الانتقائية لممانعي "8 آذار" فقدت توازناً يحتاج إليه المساجلون للإيحاء بحد أدنى من توازن الخطاب، فقد أقدم واحد منهم على سؤال "14 آذار": لماذا لا تذهبون الى مخيمات لبنان لتتضامنوا مع سكانها الأكثر حرماناً من سكان غزة؟ والحال أن صاحب هذا السؤال كان محقاً لو أنه سأل السؤال نفسه لجورج غالاوي عندما قرر الأخير قبل أشهر ان يُنظم اسطولاً لدعم غزة كان من المفترض أن ينطلق من مرفأ مدينة اللاذقية السورية إلى شواطئ القطاع. ومرفأ اللاذقية يبعد أقل من 500 متر عن مخيم اللاذقية للاجئين الفلسطينيين الذي كان محاصراً من قبل الأمن السوري. لكن الممانع البريطاني كان يفكر في حينها بحماية النظام في سورية، لا بحماية الفلسطينيين.

هذه هي حال الممانعة المذهولة بالزيارة.