يبدو النظام السوري اليوم، بعد واحد وعشرين شهراً من الثورة، مزيجاً من "الدولة البربرية" (مثل ما أسماه ميشال سورا قبل ثلاثة عقود) و"الدولة المعلّقة".
فَهو فقد كامل سلطته الرمزية في المجتمع، وفقد معها كل ما بناه على مدى 42 عاماً من ثقافة عبادة الفرد. كما فقد قدرته على إلزام الناس بشروط الطاعة، أو التظاهر بها خوفاً من العقاب. وفقد فوق ذلك المقدرة على التلويح بالعنف أو حصر استخدامه الشديد موضعياً لتعميم الرعب منه وفرض الردع وتعميمه على باقي المواضع من خلاله، بعد أن سبق ودفع على مدى أشهر بكلّ ما عنده من نيران وتدمير، ولم يفلح في وقف تقدّم أعدائه او تقليص رقع انتشارهم أو حتى ابتزازهم ليرتدعوا. بهذا، سقطت من النظام منذ أشهر معظم خصائصه الذاتية، ولم يبقَ له غير تسليط عنفه الأقصى على "شعبه" ليس بهدف الانتصار عليه أو استعادة السلطة المتآكلة أو بناء ما انهار منها، بل بهدف الاستمرار. فالقتل الجماعي والتدمير المنهجي والتنكيل اليومي هي ما يُبقيه حيّاً. ومن دونها لا أمل له في العيش أو الحكم أو أي شيء آخر. والبربرية المتبقّية من سماته القديمة صارت، وفق هذا الواقع، نهجاً لإطالة أمد المجزرة. لكنه لا يملك أن يتصرّف بها لوحده، ويحتاج "الخارج" (الإيراني والروسي) ليرعاها ويُنفق على طائراتها وبراميلها المتفجّرة. أي أنّ البربرية صارت "بربرية صعبة" ومكلفة، وتتطلّب الدعم الخارجي وديمومة "التحليق" بعيداً من الأرض لتفعل فعلها. لذلك، ظهرت الى جانبها سمة جديدة للنظام: سمة "التعليق". فالدولة السورية في اختزالها الأسدي، صارت "معلّقة"، بلا أرضية في المجتمع أو روابط تبقي لها أسساً ترابية. صارت دولة طيران لا مجال لاستمرارها إن توقّف تحليقها وقصفها. والدولة السورية المعلّقة هذه، دولة آل الأسد، هي اليوم نموذج من نماذج الدول المستبدّة الآفلة. هي دولة جوّية تطير في الهواء، ولا تحتاج من الأرض لغير المطارات والمخابئ ومحطّات الوقود وخرائط الأهداف البشرية المعادية.
لكنها أيضاً دولة ينفد وقودها حين يحرّر الناس مطاراتها ومخابئها أو حين يتركها داعموها الخارجيون. عندها تسقط تماماً مثل طائرة سقوطاً مدوّياً، جلّ ما يقلق فيه آثار ارتطامه بالأرض...
|