التاريخ: تشرين الثاني ٢١, ٢٠١٢
الكاتب:
المصدر: موقع الوطن المصري
السيناريوهات السياسية القادمة

الإحباط هو سمة المرحلة. القوى المدنية محبطة نتيجة تعثر التحول الديمقراطى، وجماهير الطبقتين الدنيا والوسطى محبطة اقتصادياً. يبالغ البعض فى تقدير الأزمة السياسية التى تمر بها البلاد، لدرجة التنبؤ بثورة جياع تختلط بمشاعر إحباط للتطلعات التى تصاعدت بعد 25 يناير، بل ويشابهون بين أوضاع ما قبل الثورة والأوضاع الحالية. ثلاثة أحداث مثلت ذروة شعور المصريين بامتهان الكرامة، وجعلت سقوط مبارك ونظامه مسألة وقت: العدوان الإسرائيلى على غزة دون رد فعل مصرى مناسب، وتصاعد حوادث المرافق العامة -خاصة القطارات- وصولاً إلى حادث العبّارة الشهير، وأخيراً تزوير انتخابات 2010. سيناريو غزة يتكرر الآن مع نفس ردود أفعال نظام مبارك تقريباً. أداء مؤسسات الدولة ومرافقها يواصل تدهوره إلى مستويات أدنى مما كانت عليه قبل الثورة (آخرها قطار أسيوط). حالة من التخبط والفشل الحكومى، وسط مخاوف من تآكل الكتلة الانتخابية للإخوان، وتنبؤ البعض باضطرارهم للإقدام على نوع من «التجاهل المتعمد» للتجاوزات الانتخابية لأنصارهم؛ خاصة على ضوء إحكام سيطرتهم نسبياً على مؤسسات الدولة والمحليات، وتقلص قوة المؤسستين اللتين ضمنتا حداً أدنى من حيادية الانتخابات: الجيش والقضاء.

 

على الرغم من موضوعية المشابهة بين اللحظتين، فإن التاريخ السياسى لا يتكرر بهذه البساطة، فالسياق يختلف بكل تأكيد. رغم الأخطاء السياسية الواضحة للإخوان، وعجزهم عن إبداع طريقتهم الخاصة فى إدارة البلاد، واضطرارهم للسير وفق الخطة الاستراتيجية لمصر حتى 2017 التى وضعت أيام مبارك، بعد تبخر مشروع النهضة، فإن الرئيس مرسى وحسن مالك والإخوان ليسوا مبارك وأحمد عز والحزب الوطنى بالضبط.
 
كان نظام مبارك الاستبدادى يعبر عن مصالح الشريحة العليا الاحتكارية فى مصر. رغم وجود لغة مشتركة تجعل التفاهم بين جناحى الطبقة العليا للنظام القديم وللنظام الإخوانى الجديد ممكناً، فإن أدبيات الإخوان ومصادرهم الاقتصادية الأصلية تؤكد مبادئ الربح الحلال ورفض الفساد والاحتكار، ولو اضطرت الدولة للتدخل لمنعه (راجع كتابات يوسف كمال مؤسس الرؤية الاقتصادية للإخوان)، ولذلك فحتى لو اضطر بعض قيادات الإخوان لتجاهل هذه المبادئ لتفادى مواجهة غير مأمونة العواقب مع قوى النظام القديم، فإن قواعدهم فى قاع الهرم الاجتماعى المصرى ستضغط -إن عاجلاً أو آجلاً- لضبط الاختيارات الاجتماعية المضطربة وغير الحاسمة للحكم الإخوانى الحالى. على عكس ما يعتقد الكثيرون فى التيار المدنى، لن تكون الأزمة مع الإخوان فى توجههم الاجتماعى، بقدر ما ستكون حول تصورهم لحدود حرية الفكر والتعبير والتنظيم والحريات الشخصية والدينية والتعددية السياسية.
 
فى مقابل الإحباط السياسى للنخبة المدنية، وعلى الرغم من وجاهة فكرة تراجع قسم من الكتلة التصويتية عن تأييد الإخوان، فإن القسم الأكبر من هذه الكتلة لا يزال يعتقد بأن الإخوان لم يتم اختبارهم فى الحكم بشكل نهائى، على ضوء قصر فترة حكمهم والصعوبات التى تواجههم والعراقيل التى يضعها منافسوهم السياسيون أمام نجاحهم، كما أن جزءاً من الأصوات التى ستهاجر من الصندوق الإخوانى قد تستقر فى الصندوق السلفى الذى قد يفقد بدوره جزءاً مهماً من أصواته. من ناحية أخرى يُرجح أن الأحزاب المعبرة عن النظام السابق وتلك المعبرة عن التيار المدنى وعن مبادئ الثورة ستدخل الانتخابات القادمة بشكلٍ أكثر تبلوراً وتنظيماً -ولو نسبياً- ويمكن التنبؤ بأن المجلسين النيابيين القادمين سيكونان أكثر تنوعاً وتوزيعاً؛ بحيث تنكسر الأغلبية الإسلامية الراهنة، وهو وضع قد يزيد من الحيوية السياسية أو يؤدى إلى المزيد من تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسى. الشهور القادمة ستحسم اتجاه البوصلة السياسية لمستقبل مصر.