يتصرف «الإخوان المسلمون» باعتبارهم حزباً حاكماً، ولا أحد يعرف ما هو السند السياسى أو القانونى الذى يتصرفون به على هذا الأساس، فإذا كان الأمر استناداً إلى نتائج الانتخابات التشريعية السابقة، فبعيدا عن أن القضاء حل البرلمان، فهم لم يكن لديهم أغلبية مطلقة فى البرلمان المنحل، وإذا كان الأمر استنادا إلى نجاح الرئيس مرسى المنتمى إلى الجماعة فى الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية، فيجب أن يتذكر الإخوان أنه فى الجولة الأولى حصل على ٢٥% فقط من الأصوات، ونجاحه فى الجولة الثانية كان بعد دعم تيارات سياسية أخرى له.
وفى أى بلد ديمقراطى عندما ينجح الرئيس بنسبة ٥١% فإن شغله الشاغل يكون هو ماذا يفعل لكى يجذب الـ٤٩ % الآخرين أو قطاعا كبيرا منهم إلى صفه، لكى تكون له قاعدة شعبية مستقرة.
ولكن ما يحدث لدينا هو أن الإخوان تصوروا أنهم حزب الأغلبية الحاكم، وبدأوا فى عملية أخونة فجة للمناصب الإدارية، فالرئيس مرسى قسم المناصب بين البيروقراطية التقليدية التى يمكن اعتبارها من فلول النظام السابق والإخوان، فعين نوابا للمحافظين كلهم من الإخوان، وكلهم من غير ذوى الخبرة فى العمل المحلى، والوزراء والمحافظون المنتمون إلى تيارات سياسية كلهم من الإخوان، أما التيارات الأخرى فليس لها نصيب فى الكعكة على الرغم من أنها لديها كوادر أكثر كفاءة من كوادر الإخوان.
ومنذ يومين نشرت جريدة التحرير تقريراً صحفياً موثقاً ومروعاً فى نفس الوقت حول عمليات الأخونة التى تتم فى الإدارات المحلية، وهى مروعة ليس فقط لأنها عملية أخونة فجة وإنما لأنها تأتى بعديمى الكفاءة لتولى مناصب كبرى تتطلب حداً أدنى من الكفاءة والخبرة. وهو ما يعنى أن هذا الأمر يمكن أن يسقط جهاز الدولة ويجعله يعجز عن أداء الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين.
وحتى لو كان الإخوان هم حزب الأغلبية فإن هناك قواعد وأعرافاً وقوانين فى الدول الديمقراطية، لعملية إحلال منتمين لحزب الأغلبية محل المنتمين لأحزاب أخرى فى الأجهزة الإدارية، على رأسها أنها تعرض على لجان برلمانية للتأكد من كفاءتهم، ووجود خطط للتطوير لديهم، ولا تكون المناصب من أجل جبر الخواطر ومكافأة المقربين.
وبعيدا عن المجىء بأهل الثقة والعشيرة إلى المناصب العليا فى الإدارة من أجل أخونتها وتنفيذ مشروع التمكين، فإن «الإخوان المسلمون» يجب أن يكونوا أول من يعلم أن مشكلات مصر أعقد من أن يتولى تيار سياسى واحد الاشتباك معها من أجل حلها، ولابد أنهم بعد الفترة الماضية عرفوا أن حكم مصر فى هذة اللحظة التاريخية المفصلية أكبر منهم ومن أى تيار سياسى آخر، وأنها تتطلب منهج المشاركة وليس المغالبة، ولابد أنهم أدركوا أيضا وفقا للخبرة العملية أن كوادرهم قليلة العدد ضعيفة الكفاءة، ولا يمكن أن تتولى العدد الأكبر من المناصب على النحو الذى يحدث الآن.
إن ما يفعله الإخوان حاليا ليس إلا إعادة استنساخ لتجربة أمانة سياسات الحزب الوطنى عندما أصبحت المناصب الإدارية الكبرى حكراً على أعضائها، لكن اللجنة، وبسبب كفاءة وذكاء المسؤولين عنها مقارنة بالإخوان، تركت المناصب المحلية وتلك المرتبطة بمصالح الناس وخدماتهم للجهاز البيروقراطى المصرى العريق، الأمر الذى لم يحدث مشكلات كبيرة فى توفير الخدمات للناس، وكانت أزمات الناس بسبب الانحياز الاجتماعى للحكم السابق، الذى توجه إلى الطبقة العليا من المصريين وترك بقية المواطنين للفقر والجوع والمرض.
ولجوء الإخوان إلى خبرة أمانة سياسات الحزب الوطنى، يعنى أنهم جماعة تفتقر إلى الخيال، وأنها لم يكن لديها أى تصور عن الحكم، الأمر الذى أوصلنا إلى الوضع الراهن الذى جعل الناس تُخنق منهم، وهم فى تفسير أسباب هذا الاختناق وجدوا التفسير السهل الذى تبنته أمانة سياسات الوطنى وهو أن الإعلام معاد لهم، دون البحث عن أسباب الغضب الحقيقى للناس، وهذه سمة مشتركة بين أى حكم يلجأ إلى المغالبة، فما بالك لو كانت المغالبة لا تستند إلى أى أساس رقمى أو إلى شرعية سياسية؟.
|