|
|
التاريخ: تشرين الثاني ٧, ٢٠١٢ |
الكاتب: |
المصدر: موقع الوطن المصري |
|
نهاية «الهندسة الاجتماعية» لشعب ليلى |
اعتبر الوزيران عابدين ومحسوب أن «تحديد مواعيد إغلاق المحلات هو تحديد مبدئى»، بناء على تصنيفهما للمجتمعات إلى نهارية متحضرة، وأخرى ليلية متخلفة يقف على رأسها جميعا الشعب المصرى. ينطوى هذا التصنيف على نوع من التحقير والإدانة لذلك الجزء «الليلى» من الشعب على الأقل. وأظن أن هذه الطريقة التى تعبر عن تعالى النخبة المثقفة الحاكمة على بسطاء الشعب، قد أدت إلى تحميل القرار بشحنات ثقافية سلبية أدت إلى المزيد من تعقيد الأزمة، لدرجة أن بعض المواطنين فى حوارات تليفزيونية اعتبروا أن المبررات الاقتصادية للقرار تبدو غير مقنعة، ما يؤكد -من وجهة نظرهم- أن الهدف هو «إذلال الشعب» وتأكيد استعادة الدولة لسطوتها عليه بعد الثورة، تماماً كما كانت وزارة الداخلية تصر على ربط المواطنين لحزام قيادة السيارات، الذى تحول لرمز لهيبة الداخلية، رغم علمها بأن معظم الأحزمة التى أجبر المواطنون على تركيبها كانت صينية غير مطابقة للمواصفات، ولا مبرر حقيقيا لها فى عاصمة مزدحمة لا تتجاوز السرعة فيها الحد المطلوب لاستخدامها. واجه الوعى الجمعى للفقراء وأصحاب المحال ذلك التحقير الحكومى بذات السلاح، من خلال تأكيد الرمزية السلبية للإجبار على «تقفيل اليوم» مبكراً فى الثقافة الشعبية؛ حيث عادة ما يتباهى «الفتوة» بقدرته على تقفيل المنطقة وإجبار الأهالى على النوم مبكراً كدليل على سطوته وسيطرته. بل إن ربط الحكومة بين القرار وبين إطفاء الأنوار مبكراً وجد صدىً شعبيا سلبيا أيضاً فى عبارات دارجة من قبيل: «يضلمها بدرى»، «يقلبها ضلمة»، «كرسى فى الكلوب»... إلخ. ترجع تقاليد تعالى النخب المثقفة الحاكمة على بسطاء الشعب، وفرض حلول «مخططة على الورق» عليهم وعدم وضع آرائهم فى الاعتبار، إلى عصر الثورة الصناعية فى أوروبا، وكتب عالم الاجتماع ماكس فيبر عن «حالة المصنع» التى تعد حالة مثالية لتحقيق أقصى إنتاجية وأكبر وفر فى الطاقة، والأهم أنه ينبغى تعميمها على البشر فى المجتمع عامة، لا العمال فى المصنع فقط. فى التاريخ الحديث للدولة المصرية ظهرت هذه النخبة المتعالية فى ثلاث صور: الأولى المثقفون والتكنوقراط، وعلى رأسهم المهندسون الذين تعلموا أسس «هندسة النخبة للمجتمع» فى الغرب، ثم ضباط الجيش الذين تعلموا التخطيط الاستراتيجى وإدارة أنفار (جنود) منضبطين عسكرياً، وأخيراً قادة الجماعات الذين اعتادوا إدارة أفراد منضبطين أيضاً، ولكن بسبب التزامهم الدينى والسياسى. بعد عصر «حكم العسكر» المباشر فى أعقاب ثورة يوليو، برزت ظاهرة استدعاء المهندسين لإدارة البشر، وكانت الكلية الفنية العسكرية هى المورد لأفضل كوادر الدولة من هذا النوع، باعتبارها الموقع النادر الذى يجمع بين التخطيط الهندسى والإدارة العسكرية، ومن الأمثلة المتأخرة على هذا النوع من الكوادر الوزير على المصيلحى والوزير زكى عابدين، كما تجسد الجمع بين التخطيط الهندسى وإدارة الالتزام الدينى فى قيادات بارزة للجماعات؛ كالمهندس خيرت الشاطر والمهندس محمد مرسى رئيس الجمهورية. فشلت نظرية «حالة المصنع» فشلاً ذريعاً فى العالم كله، لأن البشر -وليس المصريين فقط- ليسوا جاهزين لمثاليتها دائماً، ولا ظروفهم الاقتصادية ولا الثقافية ملائمة دائماً لتطبيقها، إلا فى الاقتصادات القوية ذات البطالة المحدودة، والأهم لأن التخطيط على الورق شىء وعلم إدارة البشر وتنميتهم شىء آخر، كما أن إدارة مجموعات محددة منضبطة ذاتياً، كالجنود وأعضاء الجماعات، يختلف عن إدارة عموم المواطنين فى المجتمع، الذين أصبح الاستماع لرغباتهم ورؤاهم فى حل مشكلاتهم هو بداية علم التنمية بالمعنى الحديث للكلمة. ما زال حكامنا يعيشون وهم «حالة المصنع» بعد سقوطها بعقود من السنين، بعد ثورة أصبح المصريون بعدها مواطنين لا مجرد أنفار.
|
|