ستشهد عمّان في الأيام القليلة القادمة (5 ـ 7 تشرين الثاني /نوفمبر 2012) إنعقاد المؤتمر الدولي الحادي عشر للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وهو مؤتمر يستضيفه المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان. وسيسبق هذا المؤتمر إنعقاد منتدى مواز للمنظمات الأهلية لحقوق الإنسان في العالم. وكان قد عقد قبيل عطلة عيد الأضحى مؤتمر للمنظمات الأهلية الأردنية أنتهى إلى وضع توصيات سوف ترفع إلى المنتدى الموازي، والذي بدوره سوف يرفع توصياته إلى مؤتمر المؤسسات الوطنية.
تتمحّور هذه الملتقيات حول حقوق النساء والمساواة بين الجنسين، ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في تطويرها.
نود في البداية أن نرحّب بالوفود العربية والاجنبية التي ستحلّ ضيوفاً على بلادنا، ونتمنى لأعمال المؤتمر والمنتدى النجاح. وفي اعتقادنا، توفر هذه الفعاليات فرصة مناسبة لمناقشة العديد من القضايا ذات الصلة بمحور أعمال المؤتمر أو بدور المؤسسات الوطنية نفسها.
لا نملك بالطبع أن نغيّر جدول أعمال المؤتمر الذي، وإن كان يحمل صفة "المؤسسات الوطنية"، إلاّ أنه في الغالب الأعمّ يتأثر إلى حد كبير ببصمات التوجهات الحكومية في الدول التي أرسلت وفودها إلى عمّان. وبالتأكيد، فإن كل مدافع حقيقي عن حقوق الإنسان يؤيد الموضوع الرئيسي الذي ستتمحور حوله نقاشات المؤتمر وتوصياته. إن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين هي من بين القضايا الأساسية التي تحدد وجهة تطور المجتمعات ومستقبلها. وكمؤتمر دولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فهو يختار الموضوعات التي يعتقد بأنها تهم أغلبية المجتمعات التي تعمل داخلها تلك المؤسسات. لكن المأخذ هنا على القائمين على التحضير للمؤتمر أنهم لم يأخذوا بعين الإعتبار القضايا الملتهبة التي تعج بها المنطقة التي يعقد فيها المؤتمر. فالأردن والدول العربية عموماً تعيش منذ عامين على وقع انتفاضات شعبية غيّرت وسوف تغيّر الكثير في مجتمعاتها، وكان الأجدر ـ من أجل تقريب اهتمامات المؤتمر والمشاركين فيه من هموم شعوب المنطقة ـ أن بكرّس هذا جزءاً من أعماله للقضايا التي تعيشها هذه الشعوب هذه الأيام كالديمقراطية والحرية والكرامة والإصلاح وتداول السلطة والعدالة، وهي كلها من صميم حقوق الإنسان. ونضيف إليها حقوق الشعب العربي الفلسطيني والانتهاكات الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي يومياً، على بُعد بضعة عشرات من الكيلومترات من مكان إنعقاد المؤتمر، ضد تلك الحقوق من إستيطان ومصادرة أراض واعتقالات وتعذيب ـ بما في ذلك ضد نساء مناضلات ضد الاحتلال ـ وتغييرٍ لمعالم مدينة القدس العربية تحت سمع وبصر العالم بإسره.
الملاحظة الأخرى التي يستحضرها مؤتمر المؤسسات الوطنية تتعلق بتقييم طبيعة وتكوين وعمل هذه المؤسسات ومدى فعاليتها في تحقيق احترام حقوق الإنسان وتطوّرها في البلدان المختلفة ؛ وهذا التقييم لا ينطلق من المبادئ الموضوعة التي تقوم عليها تلك المؤسسات، بل من تجاربها الفعلية التي مضى على العديد منها عقدين من الزمن.
للأسف الشديد لم تلاحظ التقارير الدولية والاقليمية والوطنية الدورية تقدماً يعتد به على صعيد احترام حقوق الإنسان وتطوّرها، لا على الصعيد العالمي ككل ولا على صعيد الأقطار كلٍ على حدة. ولولا الانتفاضات الشعبية العربية التي فجّرت الأسئلة المزمنة كالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة ومكافحة الفساد لأستمرّت أنظمة القمع والاستبداد والفساد ممسكة برقاب الشعوب. لماذ لم تتقدم وضعية حقوق الإنسان في بلدان العالم خلال العقدين الماضيين ؟
لعلّه من الصعب تقديم إجابة مفصّلة شافية على هذا السؤال في مقالة واحدة، خصوصاً وان عوامل عديدة تتدخل في صياغة الإجابة، مثل بروز مسألة "الإرهاب" (والذي لم تتفق الأمم المتحدة على تعريف له منذ عام .... 1974 !) بعد احداث أيلول 2001 ، والتي استغلتها الانظمة إيما استغلال من أجل فرض قيودٍ جديدة على الحريات العامة تحت يافطة "مكافحة الإرهاب"، وسنّت قوانين جائرة بهذا الاتجاه.
لذلك سنتعرض هنا فقط للجانب المتعلق بدور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ووفقاً للمعايير والضوابط التي وضعت لها عام 1993 فيما يسمى "مبادئ باريس". وحتى يكون هذا المقال ذي فائدة للقارئ الأردني والعربين فإننا سنقصر الحديث عن تلك المؤسسات الموجودة في الأقطار العربية وهي : الأردن، فلسطين، مصر، المغرب، تونس، الجزائر، موريتانيا، اليمن، السودان، السعودية وقطر.
من خلال مراجعة فاحصة للقوانين والمراسيم المؤسسِة لتلك المؤسسات، يلاحظ بأنها محدودة الصلاحيات ولا تتمتع بالاستقلال المالي واحياناً السياسي، حتى وإن حازت على "الاعتماد" من لجنة التنسيق الدولية؛ فهي متفاوتة الاقتراب من الالتزام بمبادئ باريس. وفي كثير من الأحيان تلعب دوراً "إستشارياً" لدى الحكومات أو رؤساء الدول، وليس لتوصياتها صفة "الإلزام" لتلك الحكومات. اما من حيث توفر "جميع الضمانات اللازمة لكفالة التمثيل العددي للقوى الاجتماعية ومنظمات المجتمع الأهلي المعنية بحماية حقوق الإنسان ـ كما تنص على ذلك مبادئ باريس ـ فإن مثل تلك الضمانات غير متوفرة في الأغلبية الساحقة للمؤسسات الوطنية العربية لحقوق الإنسان، كما ان الكفاءة التنفيذية والحق في مخاطبة الرأي العام مباشرة ومساءلة الحكومات غير متوفرة في العديد من تلك المؤسسات (للمزيد يرجى مراجعة كتاب "تطور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في العالم العربي" ؛ دراسة من إعداد محسن عوض وعبدالله خليل؛ مصر 2005).
لقد دفع هذا الواقع بعض المنظمات الأهلية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام إلى إتهام المؤسسات المذكورة بأنها "واجهات للحكومات"تسعى لتجميل وجه هذه الحكومات ولإحتواء العمل الأهلي في هذا المجال، وهي اتهامات ربما يكون مبالغاً فيها في بعض الأحيان، لكنها تعكس ضعف مصداقية هذه المؤسسات لدى الرأي العام العربي بشكل عام. وفي حالة المركز الأردني لحقوق الإنسان ـ ونعتقد بأنها حالة العديد من المؤسسات ـ فإنه يقدم تقارير مفصّلة عن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد ويؤشّر في مواقع ومناسبات عديدة إلى الانتهاكات الكثيرة التي ترتكب ضد حقوق المواطنين ويطالب بوضع حد لها وبتعديل قوانين وممارسات بعض الاجهزة التنفيذية، لكن الحكومات لا تعير إلاّ اهتماماً ضعيفاً جداً لذلك. ويصبح التساؤل عندها : ما هي الفائدة إذن من استمرار وجود هذه المؤسسات الوطنية ؟!
إن تشخيص أوضاع هذه المؤسسات يفسّر جزئياً الحالة المزرية التي تعيشها حقوق الإنسان في أقطارنا العربية. ولذلك فإن تلك المؤسسات تحتاج إلى غجراءات إصلاحية واسعة لكي تصبح فاعلة ومؤثرة في واقع بلدانها. في مقدمة هذه الاجراءات ضمان استقلاليتها فعلياً وضمان تمثيلها العادل لمختلف قوى المجتمع والمنظمات الأهلية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، والنص في قوانينها على ضرورة التزام الحكومات بتنفيذ توصياتها، عوضاً عن الدور الاستشاري الذي يناط بها حالياً، دون الأخذ باستشاراتها في معظم الأحيان. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ • رئيس الجمعية الاردنية لحقوق الإنسان
|