بغداد: فاضل النشمي- توالت ردود الفعل السياسية والشعبية والثقافية، أمس، الرافضة مذكرة القبض التي صدرت ضد المحامي والمحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، والأكاديمي يحيى الكبيسي، بتهمة «إهانة» السلطات، وأفضت إلى إيداع الصميدعي السجن بانتظار تقديم أوراقه أمام قاضي التحقيق، اليوم الاثنين. فيما لم يُلقَ القبض على الكبيسي لإقامته خارج البلاد.
وينشط الاثنان في انتقاد المسارات السياسية والقضائية والأمنية التي تسير عليها البلاد منذ سنوات، ولم تشفع للصميدعي، وهو ضابط مخابرات سابق أيضاً، العلاقات التقليدية التي جمعته بطيف واسع من الأحزاب والشخصيات السياسية، بعد انتقادات شديدة وجهها مؤخراً لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي ونائبيه ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان على خلفية الجدل بشأن قانون المحكمة الاتحادية.
وأصدرت 112 شخصية ثقافية وإعلامية وسياسية، أمس، بياناً دعت فيه إلى «الكف عن استغلال المواد القانونية لتصفية حسابات سياسية». ودعت إلى إطلاق سراح إبراهيم الصميدعي. وقالت في بيانها: «نذكر القضاء والحكومة معاً بأن زمن الديكتاتورية قد ولّى إلى غير رجعة، وأن الشعب العراقي الكريم لا يمكن أن يقبل بأي شكل من أشكال التضييق على الحريات وحرية الرأي والتعبير»، في إشارة إلى استناد مذكرات القبض إلى مادة من قانون العقوبات العراقي الموروث من زمن «حزب البعث» ونظام الرئيس الراحل صدام حسين.
وحيال موجة الانتقادات التي وجهت لمذكرة إلقاء القبض، اضطر مجلس القضاء لإصدار إيضاح حول المذكرة التي صدرت وفق المادة «226» من قانون العقوبات على «أثر تهجمه على مؤسسات رسمية ووصفها بصفات وعبارات سيئة (لا يليق ذكرها) تخرج عن حدود حرية التعبير عن الرأي المكفول دستورياً»، طبقا لبيان أصدره المجلس.
غير أن البيان لم يخل من «التشهير» ضد الصميدعي، حين اتهمه بتقاضي «مبالغ مالية» مقابل تهجمه على المؤسسات الرسمية، مما فتح باباً جديداً للانتقادات ضد مجلس القضاء.
الصفحة الموثقة للصميدعي على «فيسبوك» رأت في البيان «تشهيراً وبطريقة صادمة». وقالت إنه «يُنافي قانون المرافعات، ويضعهُ (القضاء) في موضع غير مؤهل للنظر بالدعوى المقامة ضده بموجب المادة (93) من قانون المرافعات».
ويقول خبير قانوني؛ فضل عدم الإشارة إلى اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد جعل مجلس القضاء الأعلى نفسه خصماً للصميدعي، وأحل نفسه محل المحاكم في محاكمة المتهم والحكم عليه». وأضاف: «يبدو واضحاً من البيان أن مجلس القضاء أو رئيسه هو المشتكي، ومتحامل ضد الصميدعي إلى الحد الذي حاول في بيانه تشويه صورته بادعاء أنه كان يحصل على أموال لقاء إهانته سلطات الدولة».
وتابع الخبير أن «حصول الصميدعي على أموال - على فرض صحته - منقطع الصلة بشكل كامل بالجريمة التي نسبت إليه وفق المادة (226) من قانون العقوبات، لأنه ليس موظفاً ولا مكلفاً خدمة عامة، ولأن الحصول على الأموال ليس ركناً في الجريمة ولا شرطاً من شروطها».
وانضم عدد من القيادات والزعامات السياسية، أمس، إلى فضاء الانتقادات والتعليقات المتواصلة بشأن مذكرة القبض ضد الصميدعي، حيث عدد زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم أن «من أبجديات النظم الديمقراطية ضمان حرية الرأي والرأي الآخر، كما تسهم الآراء المحترمة والموضوعية في تقويم النظام السياسي وعمل الحكومات عبر النقد البناء، فمن الضروري الحفاظ على هذا الحق الدستوري وضمانه للجميع من دون انتقائية».
وذكر في بيان أن «تعرض أصحاب الرأي للخطف أو الاغتيال أو الاعتقال يعدّ تكميماً للأفواه ومصادرة للآراء الحرة، كما نؤكد ضرورة أن يكون النقد ضمن السياقات والأطر القانونية».
وأعرب رئيس تحالف «الفتح» الحشدي، هادي العامري، عن رفضه قضية «تكميم الأفواه»، وأكد على احترام المؤسسات الدستورية. وقال في بيان مقتضب: «نرفض المساس بحرية التعبير عن الرأي وتكميم الافواه، ونؤكد على احترام المؤسسات الدستورية وعدم التجاوز عليها».
وطالب «مركز الحريات الصحافية»، أمس، بإلغاء وتعديل 15 مادة من قانون العقوبات المورثة من «الأنظمة الشمولية السابقة». ورأى «المرصد» أن «مذكرات القبض بحق الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي في العراق ما زالت تصدر مستندة على مواد قانونية تعود لأكثر من 5 عقود، وقد تؤدي الإدانة ببعضها إلى عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام، وهو ما يتناقض مع دستور (عراق ما بعد 2003) الذي يكفل حرية التعبير».
|