قطعت الاحتجاجات المستمرة على تدهور الوضع المعيشي وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية أمس، أوصال لبنان، في أوسع وأكبر تحرّك احتجاجي منذ أشهر، وشملت مختلف المناطق اللبنانية في الشمال والجنوب والبقاع والعاصمة بيروت، فيما عملت القوى الأمنية والجيش اللبناني على محاولة فتح الطرقات.
وسجل الدولار أعلى مستوى أمس في مقابل الليرة اللبنانية، حيث وصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى 10500 ليرة مقابل الدولار، ما دفع بعض المحال التجارية إلى إقفال أبوابها منعاً لتسجيل خسائر جراء البيع بأسعار لا تتناسب مع الصعود الكبير لسعر صرف الدولار.
وتجّمع عدد من المتظاهرين في ساحة رياض الصلح وانطلقوا في مسيرة إلى وزارة الاقتصاد وجمعية المصارف ومصرف لبنان، حيث قطعوا الطريق أمام المصرف المركزي، وانطلقوا بعدها إلى مجلس النواب، تنديدا بالأوضاع المعيشية التي يمر بها اللبنانيون.
وقطع عدد من المحتجين السير على جسر الرينغ في وسط بيروت بالاتجاهين، كما قُطِعَ تقاطع بشارة الخوري في بيروت، وامتدت الاحتجاجات إلى طريق قصقص وطريق المدينة الرياضية، التي قطعها عدد من المحتجين بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، كما قطعوا طريق سليم سلام بمستوعبات النفايات وأشعلوا النيران فيها.
ونفّذ محتجّون اعتصاما أمام مبنى «مونتي ليبانون» في نهر الموت، معتبرين أن «التحركات الشعبية الوسيلة الوحيدة لإيصال الصوت».
وفي الشمال، قطع المحتجون الطريق الدولي عند مفرق رأس بعلبك احتجاجاً على الغلاء، بالإضافة إلى قطع السير على طريق عام المصنع راشيا، أما في الشمال فقد أقدم محتجون على قطع الطريق الرئيسية قبالة خيمة الاعتصام في وسط مدينة حلبا بالعوائق، احتجاجا على ما بلغته الأوضاع الحياتية والمعيشية، بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء الفاحش.
وأفادت مندوبة «الوكالة الوطنية للإعلام» في طرابلس بأن عددا من المحتجين قطعوا الطريق عند مستديرة جبل محسن، فيما قطع آخرون الطرق المؤدية إلى ساحة عبد الحميد كرامي، والطريق الدولية الجنوبية عند نقطة البالما على المسلكين.
ونفذ آخرون اعتصاما عند دوار بيستاشيو بالميناء، مرددين هتافات تطالب باستقالة جميع المسؤولين، مؤكدين أنهم سيستمرون بتحركاتهم التصعيدية، «في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني والأزمة الاقتصادية الصعبة». وفي كسروان، عمد عدد من المحتجين إلى التجمع بسياراتهم عند مستديرة طريق عام عجلتون كسروان وقطعوا الطريق، أما في عاليه في جبل لبنان، فقطع المحتجون الطريق الدولية، عند مفترق بلدة العبادية في اتجاه بيروت.
وعلى طريق الجنوب، تعالت صرخات المواطنين الذين ألزمهم قطع الطرقات بالمكوث لساعات على الأوتوستراد الساحلي، بموازاة إشعال عدد من المحتجين الإطارات المطاطية عند وسط ساحة مدينة صيدا، احتجاجا على الأوضاع المعيشية، ما تسبب بعرقلة حركة السير عند التقاطع. كما تم قطع السير على أوتوستراد الناعمة بالاتجاهين. وتوسع قطع الطرقات إلى أوتوستراد الزهراني ومنطقة مرجعيون.
وتضرم مجموعات المحتجين النيران بإطارات السيارات لإغلاق الطرق في جميع أنحاء البلاد بشكل يومي منذ أن هوت العملة اللبنانية إلى مستوى منخفض جديد يوم الثلاثاء الماضي، ما أثار غضب المواطنين الذين يشعرون منذ فترة طويلة بالذعر من الانهيار المالي في البلاد.
وكان انهيار قيمة الليرة اللبنانية، التي هبطت إلى عشرة آلاف مقابل الدولار يوم الثلاثاء، هو القشة الأخيرة لكثيرين ممن شهدوا ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مثل حفاضات الأطفال والحبوب إلى نحو ثلاثة أمثالها منذ بدء الأزمة.
دياب يهدد بالاعتكاف ويضغط لتشكيل حكومة جديدة
لوح رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني حسان دياب، أمس، بالاعتكاف عن ممارسة مهماته، إثر تفاقم الأوضاع المعيشية، واشتعال الشارع اللبناني بالاحتجاجات، محذراً من أن لبنان «بلغ حافة الانفجار بعد الانهيار»، مشيراً إلى أن «مشهد التسابق على الحليب يشكل حافزاً للتعالي وتشكيل حكومة»، في وقت لا تزال فيه مساعي التشكيل عالقة في السجالات السياسية، وكان آخرها اتهام «التيار الوطني الحر» لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بـ«الاستهتار المتمادي بمصير الناس».
وللمرة الأولى منذ استقالته، يلوح دياب بالاعتكاف، ما يعني تجميد عمله، ووقف توقيعه على الوثائق التي يتطلبها توقيع رئيس الحكومة، ضمن الإطار الضيق لتصريف الأعمال، وهو بذلك يقطع الطريق على كل الفرضيات بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، ويضغط باتجاه حكومة جديدة تتخذ القرارات، وسط التدهور القائم.
وقال دياب، في كلمة وجهها للبنانيين عصر أمس: «لقد بلغ لبنان حافة الانفجار بعد الانهيار. والخوف من ألا يعود ممكناً احتواء الأخطار»، وأشار إلى أن اللبنانيين «يعانون أزمة اجتماعية خطيرة، وهي مرشحة للتفاقم إذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة لديها صلاحيات، وخلفها زخم سياسي داخلي ودعم خارجي للتعامل مع هذه الأزمة». وسأل: «ألا يشكل مشهد التسابق على الحليب حافزاً كافياً للتعالي على الشكليات وتدوير الزوايا من أجل تشكيل الحكومة؟»، وقال: «لا يمكننا لوم الناس على صرختهم، بينما يدور تشكيل الحكومة في حلقة مفرغة، وبالتالي تتعمق معاناة اللبنانيين، وتتراكم المشكلات الاجتماعية».
وأسف دياب لأنه بعد نحو سبعة أشهر على استقالة حكومته، لم تتشكل الحكومة الجديدة «وهو ما وضعنا أمام معضلة كبيرة وتعقيدات كثيرة واجتهادات متباينة حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال»، وقال: «البعض يطلب من الحكومة المستقيلة أن تمارس صلاحيات حكومة قائمة بذريعة الظروف الاستثنائية، والبعض يحذر من تجاوز حكومة تصريف الأعمال ما حدده الدستور من صلاحيات تصريف الأعمال ضمن الحدود الضيقة، لكن حسم هذا النقاش هو في مجلس النواب، بصفته مرجعية تفسير الدستور»، مضيفاً: «الظروف الاجتماعية تتفاقم، والظروف المالية تضغط بقوة، والظروف السياسية تزداد تعقيداً، والبلد يواجه تحديات جسيمة لا يمكن لحكومة عادية مواجهتها من دون توافق سياسي، فكيف يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تواجه تلك التحديات؟!».
وأوضح: «اليوم، وفي ظل تعاظم التحديات، يجب ألا يتقدم أي عمل على جهود تشكيل الحكومة الجديدة، أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد»، مشيراً إلى أن «المعادلة واضحة: لا حل للأزمة الاجتماعية من دون حل الأزمة المالية، ولا حل للأزمة المالية من دون استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا مفاوضات مع صندوق النقد من دون إصلاحات، ولا إصلاحات من دون حكومة جديدة».
ورأى «أي نقاش آخر خارج هذا السياق هو عبث سياسي، ومحاولة لتقاذف المسؤوليات، وهو ما قد يطرح أمامي خيار الاعتكاف، وتعطيل الهامش الذي نتحرك فيه لتسيير أمور البلد، حتى أشارك في الضغط لتشكيل الحكومة»، موضحاً: «إذا كان الاعتكاف يساعد على تشكيل الحكومة، فأنا جاهز للجوء إليه، رغم أنه يخالف قناعاتي، لأنه يؤدي إلى تعطيل كل الدولة، ويضر بمصلحة اللبنانيين». وانتقد دياب الشروط المفروضة في عملية تشكيل الحكومة، سائلاً: «ماذا سنفعل بوزير بالزايد أو وزير بالناقص إذا انهار كل البلد؟ فلنترك أوهام السلطة وطموحاتها جانباً، لأن الآتي من الأيام لا يبشر بالخير إذا بقي العناد والتحدي والمكابرة حواجز أمام تشكيل الحكومة العتيدة»، محذراً من أن لبنان «بخطر شديد، فيما اللبنانيون يدفعون ثمن الانتظار الثقيل».
ولا تزال جهود تشكيل الحكومة مجمدة مع الشروط المتقابلة والسجال السياسي، وآخره ما صدر عن المجلس السياسي في «التيار الوطني الحر»، أمس، بعد اجتماعه برئاسة النائب جبران باسيل، إذ أسف المجلس السياسي «للاستهتار المتمادي من جانب رئيس الحكومة المكلَّف بمصير الناس والبلاد»، وحمله مسؤولية تعميق الأزمة «بامتناعه عمداً عن القيام بأي جهد أو تشاور لتشكيل الحكومة، ورفضه لأي حركة يقوم بها المعنيون، ولا يقوم بالمقابل إلا بتحديد مواعيد للسفر إلى عواصم العالم، كأن الحكومة تتشكل فيها، وليس في بيروت». وقال «التيار»: «من غرائب العراقيل المفتعلة حديثاً أنه يريد التزاماً مسبقاً بمنح الثقة ممن يرفض التشاور أو التعاون معهم، وذلك قبل تشكيل الحكومة ومعرفة تفاصيل تشكيلها وبرنامجها، وإلا فلن يوافق على تشكيلها. أضف لذلك أن ما صدر عن الرئيس المكلف في بيانه الأخير أصبح فيه تغييب كامل للمكوّن المسيحي عن السلطة التنفيذية، وعن الثقة المطلوبة من السلطة التشريعية، وهذا يسقط عن الحكومة ليس فقط ميثاقيتها، بل كينونتها».
ورأى «التيار» أن «هذا الأمر يتخطى مسؤولية عدم تشكيل الحكومة إلى ضرب الميثاق، وإسقاط الدستور، وترك البلاد من دون أي صمّام أمان».
|