موسكو: رائد جبر- فتحت موسكو النار بشكل متزامن أمس، على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حظر السلاح الكيماوي. واتهم دبلوماسيون روس المنظمتين بأنهما تحولتا إلى «أداة لتحقيق مصالح جيوسياسية لأطراف غربية» عبر «تسييس» نشاطهما لمواصلة ممارسة ضغوط على دمشق. ودعت روسيا خلال اجتماع دوري لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى «عدم استغلال عمليات الوكالة الدولية لتصفية الحسابات مع سوريا»، وشددت على ضرورة تركيز الجهود على حل «القضايا الحقيقية المتعلقة بنظام عدم الانتشار».
وأشار الوفد الروسي في الاجتماع إلى أن الوكالة «قد أكدت مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة تنفيذ دمشق لالتزاماتها، حيث تجري عمليات تفتيش في المواقع النووية المعلنة، ولا يوجد أي دليل على بدء استخدام المواد النووية للأغراض غير المسموح بها»، داعيا إلى رفع هذا الملف عن جدول أعمال مجلس الحكام لأنه «لا يوجد أي سبب لإبقاء هذه المسألة على طاولة البحث».
ووفقا للدبلوماسيين الروس، «على الدول الأعضاء أن تترك المحاولات المسيسة لاستغلال عمليات التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية لغرض تصفية الحسابات مع دمشق. وبدلا من ذلك من الضروري تركيز الجهود المشتركة على إيجاد حلول للقضايا الحقيقية لنظام عدم الانتشار وسبل تعزيز نظام الضمانات».
تزامن هذا الموقف، مع هجوم روسي آخر شنه نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي، على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وقال بوليانسكي إن «الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لتحويل المنظمة إلى أداة لتحقيق مصالحهم».
وقال الدبلوماسي الروسي خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة: «كل يوم تتزايد التأكيدات حول مساعي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والأطلسيين إلى تحويل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، من هيئة دولية فنية مختصة، إلى أداة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية». وزاد أن مثل هذه المواقف من قبل الدول الغربية كانت واضحة بشكل خاص أثناء التحقيقات في الحوادث المحتملة لاستخدام السلاح الكيماوي في سوريا، عندما تم تحميل دمشق المسؤولية في غياب أدلة كافية. ولفت إلى أنه «على المنظمة أن توجه اهتمامها للولايات المتحدة ذاتها». موضحا: «سيكون من المنطقي أن تقدم المنظمة تقريرا حول مدى التقدم في إتلاف الترسانة الكيماوية للولايات المتحدة، الذي لم ينته بعد».
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت الأربعاء مشروع قرار حول التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في التحقيقات الجارية في شأن الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية في سوريا. ووصفت روسيا الوثيقة بأنها «غير متوازنة ومسيسة للغاية».
وكانت روسيا وجهت قبل ذلك مباشرة، انتقادات حادة إلى سياسات الأمانة التقنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية إزاء الملف السوري، واتهمتها بـ«الانحياز والتسييس».
وشدد بوليانسكي خلال جلسة افتراضية ناقشت سير تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2118، على أن «حجم الأدلة على وقوع مخالفات في عمل أمانة المنظمة تخطى حتى أوائل عام 2021 عتبة حرجة»، مؤكدا أن «المشكلة أوسع بكثير من الملف السوري وتحمل طابعا ممنهجا». لافتا إلى أن «الحديث يدور عن أزمة الثقة بإحدى المنظمات الدولية الأكثر مصداقية في العالم سابقا والتي تتحول الآن إلى أداة للتلاعب السياسي وعقاب الأطراف غير المرغوب فيها».
وأشار بوليانسكي إلى أن التقييمات التي أدلى بها أمام مجلس الأمن في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، خوسيه بستاني، تعكس تدهور الوضع الداخلي الذي يهدد بمشاكل خطيرة لسمعة المنظمة وفاعليتها.
وأكد الدبلوماسي الروسي أن موسكو كانت تصر على مدى شهور على دعوة المدير العام الحالي للمنظمة فرناندو آرياس إلى مناقشات بشأن الملف السوري في مجلس الأمن، بغية توضيح المسائل العالقة، لكنه استخدم حججا مختلفة لتفادي حضور المناقشات.
وفي نهاية المطاف، قدم آرياس الشهر الماضي إفادة إلى مجلس الأمن، لكن نائب المندوب الروسي وجه إليه انتقادات قوية، وقال إن المدير العام للمنظمة «كرر أفكارا عامة معروفة للجميع». وتابع بوليانسكي أن الجزء العلني من المؤتمر الافتراضي انقطع لأسباب مبهمة وتم تحويله إلى صيغة مغلقة، ما أتاح لآرياس تفادي الإجابة عن أسئلة الحاضرين.
وأعرب الدبلوماسي الروسي عن أمل موسكو في أن «تكون لدى السيد آرياس شجاعة للمثول مجددا أمام المجلس والإجابة علنا عن أسئلتنا»، مذكرا بأن سوريا «كانت انضمت طوعا إلى المنظمة وأتلفت ترسانتها الكيماوية وأغلقت برنامجها الكيماوي بالكامل في عام 2014، لكن بعض الدول تستمر في استغلال «الورقة الكيماوية» بهدف تصعيد الضغط في مسعى للإطاحة بحكومة دمشق من خلال توجيه اتهامات خطيرة إليها استنادا إلى «أدلة غير مقنعة».
وحذر بوليانسكي من أن «دور الأمانة التقنية للمنظمة زاد سوءا». وحملها المسؤولية عن «التخلي عن الإجراءات الاعتيادية في مجال جمع الأدلة، والقيام بعمليات للتلاعب بالحقائق وقمع وترهيب المعارضين لمثل هذه الأنشطة».
واتهم الدبلوماسي الروسي أمانة المنظمة بـ«تضخيم موضوع إعلان الحكومة السورية الأولي بشأن التخلص من الأسلحة الكيماوية»، مشيرا إلى مثل هذه القضايا تمثل أمرا عاديا وواجهتها العديد من دول أخرى، منها كندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وليبيا والعراق.
وشدد بوليانسكي على ضرورة التأكد من قدرة المنظمة على تطبيق تفويضها، مضيفا أن الملف السوري أصبح اختبارا سلط الضوء على المشاكل التي تقوض أنشطة أمانتها التقنية. وأكد نائب مندوب روسيا على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة هذه «النزعة الخطيرة للغاية»، مضيفا أن المنظمة «مصابة بشكل خطير بمرض التسييس، ولن تؤدي الدعوات إلى صرف الأنظار عن هذه المشكلة إلا إلى تفاقم الوضع».
|