التاريخ: شباط ٢١, ٢٠٢١
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
ليبيون يعوّلون على الحمض النووي لكشف «جرائم الكانيات»
بعد أن مكّن من التعرف على جثامين ضحايا «المقابر الجماعية» في ترهونة
ما زالت «المقابر الجماعية»، التي يتم اكتشافها من وقت لآخر في مدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس) تكشف عن مفاجآت صادمة لكثير من المواطنين، الذين يعثرون على ذويهم المختفين منذ سنوات.

وعثر في المدينة، التي سيطرت عليها ميليشيات «الكانيات» المسلحة لسنوات عدة، على عشرات الجثامين المتفحمة، وعلى أطفال تم تصفيتهم وهم مكبلون من الخلف في آبار مهجورة. وتواجه ميليشيات «الكانيات» اتهامات بتصفية عدد من الأسرى، الذين وقعوا في قبضتها منذ اندلاع المواجهات العسكرية بين «الجيش الوطني» وقوات «الوفاق» في الرابع من أبريل (نيسان) عام 2019، انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم.

وأعلنت عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات حكومة «الوفاق»، في وقت مبكر من صباح أمس، أن إحدى العائلات بترهونة تعرفت على جثامين جميع ذويها المختفين من أسرة «الفلوس»، بفضل عمل فريق الطب الشرعي، ومطابقة البيانات الطبية والملابس قبل وبعد وفاتهم، حيث تبين أنهم من العائلة نفسها، وهم عبد العالي صالح الفلوس (53 عاماً)، وأبناؤه الثلاثة عبد الرحمن (16 عاماً)، وعبد المالك (15 عاماً) ومحمد (10 أعوام).

وأشارت «العملية» إلى أن أسرة الفلوس في ترهونة تعرفت على هوية ذويهم بين الجثث، التي تم انتشالها من مقابر ترهونة، بعد عرض الصور الأولية للجثث والمتعلقات الشخصية، بالإضافة إلى مطابقة علامات التعرف عليهم.

ومنذ تمكن قوات «الوفاق» من السيطرة على مدن غرب ليبيا، وإخراج «الجيش الوطني» خارج الحدود الإدارية للعاصمة مطلع يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين العثور على «مقابر جماعية»، ضمت رفات مواطنين سبق الإبلاغ عن اختفائهم، ليرتفع بذلك عددها إلى 27 مقبرة. وأثار الإعلان عن العثور على هذه المقابر ردود فعل غاضبة داخل الأوساط السياسية والاجتماعية، وسط تنديد أممي ودولي، ومطالبات بالتحقيق، وضبط المتورطين.

وبدأت القصة المأساوية لعائلة الفلوس، بحسب رواية عملية «بركان الغضب»، خلال العدوان على طرابلس، حيث تداول بعض المواطنين فيديو تضمّن اتهامات لعصابة (الكانيات) الإجرامية، فأمر عبد الرحيم الكاني، بإحضار أي شخص في ترهونة له صلة قرابة بمن ظهروا في الفيديو، وكان من بينهم عبد العالي الفلوس وأطفاله، مشيرة إلى أن الأخير كان موظفاً في مصرف الجمهورية، «ومشهودا له بحسن الخلق والسمعة الحسنة».

وأوضحت عملية «بركان الغضب» أنه في مساء الثالث من أبريل (نيسان) العام الماضي، أقدم 15 فرداً من عصابة «الكانيات» بالقبض على عبد العالي وأبنائه الأربعة، بعد مداهمة منزلهم بترهونة، واقتادوهم إلى استراحة عبد الرحيم الكاني، وهناك تم تكبيل الأب والأطفال صفاً واحداً، وقام الكاني بتصفيتهم واحداً تلو الآخر، بعدما وجه إليهم سيلا من السب والشتم، لكن الطفل معاذ، أصغر الضحايا، نجا بأعجوبة من موت محقق.

وتابعت «العملية» موضحة: «بعد تصفيتهم وضعوا جثثهم في سيارة نقل، وردموهم في حفرة بمشروع الربط، داخل إحدى المقابر الجماعية، التي خلفتها الميليشيات الهاربة، والعصابات الإجرامية المتحالفة معها، لكن عثر عليها بعد هروبهم من ترهونة».

والعناصر الأساسية في ميليشيا «الكانيات»، هم محمد الكاني (47 عاماً) القيادي بالمجلس العسكري بترهونة، وشقيقاه معمر وعبد الرحيم، وجميعهم فروا من المدينة رفقة عشرات من التابعين. وسبق أن زار وفد من المحكمة الجنائية الدولية ترهونة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمعاينة «المقابر الجماعية»، بعد زيارة سابقة في شهر يوليو (تموز) الماضي، التقى فيها الوفد الصديق الصور، رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام، لبحث ملف الألغام و«المقابر الجماعية».

وكانت السلطات في طرابلس قد دشنت بداية الشهر الحالي معرضاً لمتعلقات الضحايا لمساعدة ذويهم في التعرف عليهم، وهو ما ساعد العديد من الأسر في التعرف على هوية ذويهم المبلغ باختفائهم منذ سنوات.
وبات الحمض النووي أمل كثير من الأسر في غرب ليبيا للتعرف على هويات ذويهم من بين عشرات الجثث، التي يتم استخراجها من «المقابر الجماعية».

وقد أعلنت وزارة العدل بالعاصمة استمرار العمل بأخذ عينات الحمض النووي من الجثامين المستخرجة خلال الفترة الماضية من مقابر بترهونة، وتسليمها لإدارة المختبرات بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين. وقالت عملية «بركان الغضب» إنه ما زال بإمكان أهالي المفقودين غير المبلغين عن اختفائهم، التواصل مع إدارة قيد أهالي المفقودين بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وللتبليغ وفتح ملف بعد استيفاء الأوراق المطلوبة.

والعثور على جثث متحللة أو مقطوعة الرؤوس، أو مقابر جماعية في عموم ليبيا، ليس بالأمر النادر. فقد سبق العثور على مقابر من هذه النوعية على مدار السنوات الماضية، بعضها لضحايا تنظيم «داعش» في مدينة سرت، بالإضافة إلى العثور على رفات لمواطنين وأطفال خطفوا على أيدي الميليشيات بالعاصمة.