التاريخ: تشرين الثاني ٣٠, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الأمن العراقي يبدأ تنفيذ «خطة انتشار» في الناصرية
المتظاهرون يطالبون المرجعية الدينية والأمم المتحدة بحمايتهم
بغداد: «الشرق الأوسط أونلاين»
أعلنت خلية الإعلام الأمني بالعراق، اليوم الاثنين، البدء في تنفيذ «خطة انتشار» أمنية في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار (375 كيلومتراً جنوب بغداد).

وقالت خلية الإعلام الأمني، في بيان صحافي اليوم أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن «قيادة عمليات سومر باشرت بتنفيذ خطة انتشار أمني داخل مركز محافظة ذي قار، بعد وصول التعزيزات الأمنية (اللواء السابع والثلاثون جيش، ولواء المهمات الخاصة شرطة اتحادية) لفرض القانون وتعزير الأمن وحماية المواطنين والمصالح العامة والخاصة».

وأوضحت الخلية أن «الإجراءات الأمنية ما زالت مستمرة في المحافظة».

وشهدت ساحة الحبوبي وسط الناصرية، يوم الجمعة الماضي، اضطرابات أمنية على وقع صدامات بين أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ومتظاهرين، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص وإصابة نحو 70، بينهم عناصر بالقوات الأمنية العراقية.

وسارع رئيس الحكومة العراقية القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، إلى إقالة قائد شرطة الناصرية وتعيين بديل عنه، وإعلان حظر التجوال، ونشر قوات أمنية وعسكرية في الشوارع لمنع تجدد أعمال العنف.

وأعاد المعتصمون في مدينة الناصرية بناء خيم الاعتصام مجدداً، أول من أمس السبت، في ساحة الحبوبي، وإزالة معالم الدمار والحرائق.

«خلية أزمة» في الناصرية... ومخاوف من صراع شيعي ـ شيعي في الجنوب
بغداد: فاضل النشمي
وسط مخاوف من تفجر الصراع في محافظات وسط وجنوب العراق ذات الغالبية الشيعية، بعد الصدامات العنيفة التي وقعت بين أتباع التيار الصدري وجماعات الحراك في الناصرية، وصل المدينة، أمس، فريق خلية الأزمة الحكومية التي شكلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لاحتواء حالة التوتر في المدينة على خلفية مقتل وجرح نحو 100 شخص نتيجة الصدامات التي وقعت، الجمعة الماضية، بين الجانبين (أتباع الصدر وجماعات الحراك). ويضم فريق الأزمة مسؤولين كباراً في الأجهزة الأمنية، ضمنهم مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي الذي أوكلت إليه مهمة رئاسة الخلية، ورئيس جهاز الأمن الوطني الفريق عبد الغني الأسدي، إلى جانب ضباط كبار من قيادة العمليات المشتركة ووزارة الداخلية.

واستبق الأعرجي وصوله إلى محافظة ذي قار التي مركزها الناصرية بتغريدة عبر «تويتر» وجهها إلى الأهالي هناك قال فيها: «أهلنا في ذي قار، سنكون بينكم في مهمة وطنية، لنعيد بكم الأمن والأمان، ودرء الفتنة، كونوا مع العراق، ملاذنا جميعاً، لنعبر المحنة، سلاماً ذي قار، والسلام على شبابها الواعي».

وبحسب الأمر الديواني الصادر عن رئاسة الوزراء الذي أمر بتشكيل خلية الأزمة، فإن مهمتها تتلخص بـ«إدارة شؤون المحافظة وضبط الأمن» مع تخويلها كافة الصلاحيات اللازمة لنجاح مهمتها. غير أن مراقبين يشككون بقدرتها على ذلك مع حالة الاستقطاب الشديدة في المحافظة، إلى جانب فشل «إرساليات» سابقة للحكومة لم تتمكن من إنجاز مهامها في المحافظة، مثلما حدث مع قضية الناشط المدني سجاد العراقي الذي اختطف في سبتمبر (أيلول) الماضي، وما زال مصيره مجهولاً رغم تدخل الحكومة الاتحادية في بغداد.

من هنا، فإن المخاوف من صدامات شيعية محتملة في الجنوب تجد لها أساساً في حالة «العداء» شبه المفتوح بين اتجاهات شعبية ناقمة بشدة على فصائل السلطة وأحزابها نتيجة الفقر والمعاناة، وبين أحزاب وفصائل مسلحة تريد استعادة «هيبتها المهدورة» بعد أن عمدت جماعات الحراك إلى تجريف وحرق معظم مقراتها في محافظات الجنوب بعد اندلاع «انتفاضة تشرين» عام 2019.

ويشاع على نطاق واسع بين جماعات الحراك، أن تيار الصدر عازم «بقوة السلاح» الذي يحتكم عليه على فض ما تبقى من ساحات الاعتصام بعد نجاحه في فض اعتصام ساحة التحرير وسط بغداد، بالنظر لحملات التصعيد التي يشنها الحراك على التيار وزعيمه بوصفهم جزءاً لا يتجزأ من سلطة الفساد وسوء الإدارة القائمة منذ سنوات.

ولم تقف حالة التوتر عند حدود محافظة ذي قار ومركزها الناصرية على خلفية أحداث الجمعة، بل امتدت لتشمل محافظات أخرى ضمنها العاصمة بغداد، حيث خرجت فيها، أمس، مسيرات طلابية مع انطلاق اليوم الأول للموسم الدراسي داعمة لحراك الناصرية ومنددة بما وقع فيها ضدهم من هجوم نفذته جماعات تابعة للتيار الصدري، والأمر ذاته حدث في محافظات بابل والديوانية وميسان وواسط.

وكانت شرطة محافظة واسط فرضت، السبت، حظراً للتجول في المحافظة حتى إشعار آخر بعد خروج مظاهرات تضامن مع حراك الناصرية. وأقدم أحد المتظاهرين على حرق نفسه في ساحة اعتصام واسط، السبت، إثر تحرك القوات الأمنية نحو الساحة لرفع خيام الاعتصام، وتوفي متأثراً بجراحه في وقت لاحق.

بدوره، عبر ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أمس، عن مخاوفه وقلقه من تطورات الأحداث في الجنوب. وقال الائتلاف في بيان: «نرفض أي صدامات سياسية ومجتمعية نحن في غنى عنها، ولأي إراقة دم بريء أو تخرب يهدد الاستقرار المجتمعي والأمني برمته، محذراً من جر الشارع لمعارك سياسية تعرّض الوحدة والسلم الأهلي إلى الخطر». وأكد «على حق التظاهر السلمي، وحق جميع القوى والشرائح السياسية بالتعبير عن رؤاها ومشاريعها دونما فرض إرادة، ويدعو الجميع للاحتكام إلى عملية انتخابية نزيهة وعادلة تفرز نتائج ذات مصداقية لبناء معادلة حكم وطني قادر على إخراج البلاد من أزماتها». وطالب الائتلاف الحكومة بـ«ممارسة مسؤولياتها بالحفاظ على الأرواح والممتلكات، وبسط الأمن وتطبيق العدالة».

وذات المخاوف مما يحدث في الجنوب تعبر عنها كثير من الفعاليات الأكاديمية والثقافية، وفي هذا الاتجاه يقول أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية علي المرهج: «لا أظن أننا نحتاج لكل هذا التصعيد الذي يشق الصف الوطني من أجل قضية رئيس الوزراء، والتيار (الصدري) له وزراء في جُلّ الحكومات المتهمة بخراب العراق». وأضاف المرهج، أن «ما حصل في الحبوبي (ساحة الحراك في الناصرية) يشق صفوف مجتمع أو مكون متماثل مذهبياً!!، فليس من المعقول كل من يُعارض التيار الصدري تُصادر وطنيته، ويُطلب تصفيته».

وتعليقاً على أحداث الناصرية وغيرها، قال زعيم ائتلاف «الوطنية» إياد علاوي، أمس، إنه: «ما تزال بعض القوى الأمنية تستخدم العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين السلميين رغم الظروف الحرجة التي تحيط بالبلد أمنياً واقتصادياً وصحياً وسياسياً». وأضاف: «على القوى التي تحترم إرادة الشعب وسلمية التعبير رفع صوتها عالياً لإيقاف القمع المفرط الذي تشهده بعض المحافظات وإحالة المتورطين إلى القضاء».

متظاهرو الناصرية يطالبون المرجعية الدينية والأمم المتحدة بحمايتهم
غداة مقتل وإصابة العشرات في صدامات مع أتباع الصدر

الأحد 29 نوفمبر 2020 
بغداد: فاضل النشمي

رغم حالة التوتر الشديدة القائمة منذ أشهر بين مقتدى الصدر وأتباعه من جهة، وجماعات الحراك في عموم العراق من جهة أخرى، فإن كثيرين لم يتوقعوا أن تصل الأمور بينهما إلى لحظة العنف التام والتصادم العلني بعد ما كانت لا تتجاوز حدود الانتقادات المتبادلة، مثلما حدث أول من أمس، وأسفرت عن مقتل وإصابة 94 شخصاً، بحسب مصادر صحية في محافظة ذي قار.

وبحسب المصادر، فإن «الحصيلة النهائية لأحداث الجمعة في مدينة الناصرية ارتفعت إلى 4 قتلى و90 جريحاً، 75 منهم تعرضوا للطعن بآلات حادة و15 بعيارات نارية.

ويقول الناشط أحمد الناصري إن «الصدامات تفجرت بعد قيام اتباع الصدر بنصب منصة للخطابة ورفع صور الصدر بالقرب من جسر الحضارات القريب من ساحة الحبوبي، ما أثار حفيظة جماعات الحراك، ودفعهم إلى الهتاف ضد الصدر وأتباعه ثم تطورت الأمور إلى مواجهة بين الطرفين». ويرى الناصري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «اتباع الصدر كانوا عازمين على ما يبدو على إزاحة الخيام في ساحة الحبوبي، حيث قامت سرايا السلام، الجناح العسكري للتيار باقتحامها ليلاً وتجريفها بالشفلات». ولم يستبعد الناصري «تفجر موجة جديدة من الصدامات في الأيام المقبلة بين أتباع الصدر وجماعات الحراك، فالصدر وأتباعه يريدون السيطرة على الحراك الاحتجاجي منذ أشهر، الأمر الذي يرفضه الحراك». وأضاف أن «جماعات الحراك استعادت السيطرة على ساحة الحبوبي صباح اليوم (أمس)، وقاموا ببناء مخيمات جديدة للاعتصام».

وهاجمت جماعات الحراك في ساحة الحبوبي، أمس، بشدة أتباع التيار الصدري واتهمتهم بارتكاب مجزرة ضدهم، وطالبت مرجعية النجف والأمم المتحدة بالتدخل لحمايتهم. وقالت في بيان إنها «كانت تتحضر لاستذكار مجزرة الزيتون في العام الماضي، التي ارتكبت بحق المتظاهرين العزل، وفي ظل هذا الظرف الحزين للاستذكار تفاجأنا باقتحام ساحة الحبوبي من قبل ميليشيات تابعة لإحدى الجهات الحزبية (التيار الصدري) التي اعترفت بالجريمة عبر بيانات تابعة لقيادتها، وهي محملة بكل أنواع الأسلحة، أقدمت على حرق وتجريف كل الخيام في الساحة دون وجه حق، وراح ضحية اقتحامها الجبان هذا شهداء وجرحى تجاوزوا المائة». وأضافت أن «هذه المجزرة وقعت أمام أنظار القوات الأمنية بكل صنوفها، ولم تقدم أي حماية لساحة الحبوبي، وكأن الأمر تم باتفاق بين الطرفين؛ أن الميليشيات سيطرت سيطرة مطلقة على مركز المحافظة بأسلحتها واستطاعت إسقاط المدينة بيدها». وطالبت «المرجعية الدينية العليا بالتدخل لحماية أرواح الشباب ومعاقبة الميليشيات المجرمة عبر تجريمها شرعياً وببيانات واضحة، والضغط معنا على الحكومة والأمم المتحدة لإيجاد مخرج لهذه الأزمة العصيبة، ونطالب الأمم المتحدة بالتدخل فوراً».

كما طالب البيان حكومة الكاظمي وحكومة ذي قار المحلية بتقديم استقالتهما لفشلهما في «حفظ هيبة الدولة وحماية أرواح الشعب وحماية حق الاحتجاج والرفض والتعبير».

بدوره، أعلن محافظ ذي قار ناظم الوائلي، أمس، تشكيل لجنة تحقيقية لتحديد المقصرين في الأحداث التي شهدتها المدينة. وقال الوائلي في بيان إن «اللجنة الأمنية العليا في محافظة ذي قار تتابع الأحداث التي شهدتها محافظتنا، وهي في حالة انعقاد مستمر، ووجهنا مديرية شرطة ذي قار بتشكيل لجنة تحقيقية لتحديد المقصرين بالحادث».

وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمر، أول من أمس (الجمعة)، بفتح تحقيق في أحداث «الحبوبي»، وأقال قائد شرطة محافظة ذي قار وألغى إجازات حمل السلاح.

من جانبه، أدان السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيكي، أمس، أعمال العنف ضد المتظاهرين في مدينة الناصرية. وقال هيكي في تغريدة عبر «تويتر»: «أدين العنف ضد المتظاهرين في الناصرية والمدن الأخرى، ليس هنالك أي مبرر لمثل هذا القتل اللامسؤول، أدعو السلطات العراقية إلى حماية المتظاهرين السلميين من الهجمات وتحقيق العدالة للضحايا».