|
|
التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠٢٠ |
المصدر: جريدة الشرق الأوسط |
|
الجزائريون يبدأون التصويت على دستور لـ«جمهورية جديدة» |
ما الجديد الذي يرفضه «الحراك» في تعديلات الدستور؟ |
الجزائر: «الشرق الأوسط»
شرع الناخبون من البدو الرحل في الجزائر، أمس، بالإدلاء بأصواتهم في إطار الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، الذي من المقرر أن يجري الاقتراع عليه بعد غد (الأحد).
وضمت القوافل 41 مكتب تصويت متنقلاً، توجهت أول من أمس نحو المناطق النائية بولايتي إيليزي وتندوف الحدوديتين، وولاية تمنراست لتمكين المسجلين من البدو الرحل من أداء الاستفتاء.
وقال رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، أمس، إنه يسعى لأن يكون الاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية القائمة والمحتملة «لا يعتمد على توفير الوسائل البشرية والمادية فحسب، بل أن يكون الوعي لدى الأفراد العسكريين بحجم هذه التحديات في أعلى درجاته».
وسيصوت الجزائريون، بعد غد (الأحد)، على تعديل دستوري، يفترض أن يؤسس لـ«جمهورية جديدة» في استفتاء شعبي يسعى من خلاله الرئيس عبد المجيد تبون إلى طي صفحة انتخابه، الذي رفضه «الحراك الشعبي» المعارض لكل تركيبة النظام.
واختتمت أول من أمس حملة انتخابية لم تثر حماسة الجزائريين في الأسابيع الثلاثة الماضية. وبالتالي قد يجد تبون نفسه أمام نتيجة للاستفتاء من دون مشاركة كبيرة، ما يعني استمرار الجدل حول سياساته وارتفاع حدته. وبالإضافة إلى ذلك، سيحصل الاستفتاء الشعبي، الذي دُعي إليه 25 مليون ناخب، في غيابه، إذ إن الرئاسة الجزائرية أعلنت مساء أول من أمس أن تبون (74 عاماً) نقل إلى ألمانيا لإجراء «فحوص طبية معمقة»، بعد إدخاله قبل يومين إلى مستشفى عسكري في الجزائر، إثر إصابة عدد من المحيطين به بفيروس كورونا المستجد. ولم يذكر أي تفصيل عن وضعه الصحي سوى أنه «مستقر».
بهذا الخصوص، يقول المحلل السياسي المتخصص بالجزائر والعالم العربي، حسني عبيدي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الرئيس تبون «في وضع حساس بسبب تداعيات طريقة انتخابه... حتى لو كان يسعى للحصول على شرعية من خلال صناديق الاقتراع، فإن هامش تحركه يظل محدوداً»، لأن الجيش «تعلّم دروساً» من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقال تحت ضغط الشارع بعد أن تخلى عنه الجيش. مضيفاً أن الجيش «أصبح الطرف الحقيقي الذي يمسك بالسلطة» الآن.
ويتزامن الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الذي اختير موعداً للاستفتاء، مع ذكرى انطلاق حرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي (1954 - 1962). وقد لا يكون ذلك مجرد صدفة، بحسب مراقبين، بل رغبة في استغلال هذا التاريخ الرمزي لتحريك مشاعر الناخبين. وقد جاء في أحد شعارات الحملة الانتخابية «1954 التحرير... 2020 التغيير».
ويفترض أن يرد الناخبون الجزائريون على سؤال «هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور المقترح؟».
وسيكون أنصار «نعم» هم أعضاء الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم القديم، مثل جبهة التحرير الوطني، أبرز داعمي حكم بوتفليقة، الذين قاموا بحملة ركزوا خلالها على أن المشروع «يضع أسساً لجمهورية جديدة».
وحثّ وزير الاتصال عمار بلحيمر، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أول من أمس، الجميع «على أداء واجب المواطنة بالمشاركة في الاستفتاء»، معبراً عن تفاؤله «بوعي الشعب وقناعته بالتوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة، قصد المشاركة في وضع لبنة جديدة في مسار البناء الوطني الشامل، وتفويت الفرصة على أعداء الجزائر».
ويركز القانون الأساسي الجديد على سلسلة حقوق وحريات تلبي بعض تطلعات «الحراكيين»، لكنه يُبقي على مجمل عناصر النظام الرئاسي كما هي. كما أن الاستفتاء يأتي وسط أجواء من القمع في البلاد، وفي وقت يندّد فيه المعارضون، من الإسلاميين، إلى أقصى اليسار، مروراً بالمدافعين عن حقوق الإنسان، بمشروع يهدف، حسبهم، إلى دفن الحراك بالنسبة للبعض، و«دسترة» العلمنة بالنسبة للبعض الآخر.
وفي هذا السياق، يقول عبيدي إن السلطة «مدركة أن الصلة مع الشعب قطعت تماماً».
ما الجديد الذي يرفضه «الحراك» الجزائري في تعديلات الدستور؟
الجزائر: «الشرق الأوسط»
ما الجديد في الدستور الذي عرضه الرئيس عبد المجيد تبون، وصادق عليه البرلمان في سبتمبر (أيلول) الماضي؟
الديباجة تعلن أن الهدف من التعديلات هو مراجعة دستور فُصِّل على مقاس الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ما سمح له بالبقاء في الحكم 20 سنة، قبل أن يضطر للاستقالة تحت ضغط الحراك. وجاء فيها أن الشعب «يعبر عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور، بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة، من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلمياً الحراك الشعبي الأصيل».
لكن أحزاب المعارضة الرافضة للمشروع «شكلاً ومضموناً»، اعتبرت أن الهدف هو دفن الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962.
كما تضمنت الديباجة لأول مرة الإشارة بشكل واضح إلى المحافظة على البيئة، والنتائج السلبية للتغير المناخي. كما تحدث الدستور الجديد أيضاً في مواد عدة من الباب الأول حول المبادئ العامة التي تحكم الشعب الجزائري. كما تحدثت التعديلات عن الجيش الجزائري في عديد من فصول الدستور؛ لأنه «العمود الفقري للدولة»، كما قال الرئيس عبد المجيد تبون في مناسبات عدة. لكن الجديد في دستور 2020 هو أنه لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة أصبح بإمكان القوات المسلحة القيام بمهمات خارج الحدود، في بلد هو الأكبر مساحة في أفريقيا، ومحاط بمناطق نزاع كما في ليبيا (شرقاً) ومنطقة الساحل (جنوباً).
وجاء ذلك في مواد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، باعتباره «القائد الأعلى للقوات المسلحة ومسؤول الدفاع الوطني»، وهي الصفة التي يتمتع بها حالياً الرئيس تبون الذي يتولى وزارة الدفاع.
لكن هذ المادة أثارت نقاشاً واسعاً حول تغيير العقيدة العسكرية للجيش، رغم أنها لقيت ترحيباً في بعض الدول التي تنتظر دوراً أكبر للجيش الجزائري في مناطق النزاع في دول الجوار.
وكان تقليص صلاحيات الرئيس وحماية البلد من الحكم الفردي، هو العنوان الأساسي الذي سوَّق به عبد المجيد تبون التعديل الدستوري، منذ الإعلان عنه في خطاب القسم في ديسمبر (كانون الأول) 2019؛ لكن قراءة في مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية تدل على أن هذه الصلاحيات لم تتقلص؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة.
أما التغيير البارز فهو إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين (متصلتين أو منفصلتين) ضمن المواد الصماء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر، كما سبق أن فعل بوتفليقة في 2008 حتى يترشح لولاية ثالثة في 2009.
ويبقى التعديل البارز في الجهاز التنفيذي هو إلزام رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية؛ لكن هذا الإجراء يسقط في حال فازت أغلبية موالية للرئيس.
وفي إجراء نادر في الدساتير، أصبح يقود الحكومة إما «وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية»، وإما «رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية»، بحسب نص المادة 103. ويبقى رئيس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء في جميع الحالات، مع إمكانية تفويض بعض صلاحياته للحكومة.
كما خصص الدستور المعدل أكثر من 30 مادة لباب الحقوق والحريات، تضمنت كل ما نصت عليه المواثيق الدولية من حرية الصحافة، وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات، وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد. ومنعت مواد الدستور وقف أي وسيلة إعلامية، أو حل أي حزب أو جمعية إلا بقرار قضائي.
وكانت المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة، إضافة إلى مادة تكريس اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية، غير قابلة للتعديل، أحد أسباب دعوة الأحزاب الإسلامية للتصويت بـ«لا» على الدستور.
لكن «منظمة العفو الدولية» انتقدت تعارض مقترحات الدستور مع «قوانين قمعية»، مثل التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات في أبريل (نيسان) الماضي، وكذلك الممارسة اليومية من خلال «سجن الصحافيين والناشطين في الحراك». |
|