التاريخ: تشرين الأول ١٩, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
لا اختراقات في أزمة الحكومة اللبنانية واستياء مسيحي من حالة المراوحة
الراعي يدعو للإفراج عن الحكومة و«القوات» يسحب الغطاء عن تأجيل الاستشارات
بيروت: «الشرق الأوسط»
لم يُسجل أي اختراق على صعيد تكليف رئيس جديد للحكومة اللبنانية العتيدة، قبل 4 أيام من موعد الاستشارات النيابية الملزمة، وسط إصرار «الثنائي الشيعي» على تسمية وزرائه، ورفض «التيار الوطني الحر» تسمية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

وقبيل الاستشارات، تولى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم طرح الملف في فرنسا التي وصل إلى عاصمتها، أمس، قادماً من واشنطن التي زارها لأيام التقى فيها أبرز المسؤولين الأمنيين، إضافة إلى مسؤولين في الإدارة الأميركية. وأفادت تقارير محلية بأن إبراهيم سيزور قصر الإليزيه، حيث سيعقد لقاءً مع أحد أعضاء فريق عمل الرئيس إيمانويل ماكرون المكلف بمتابعة الشأن اللبناني، كما سيلتقي رئيس الاستخبارات الخارجية برنار ايمييه الذي يتابع أيضاً الملف اللبناني، ورئيس الاستخبارات الداخلية لمتابعة ملفات أمنية.

ووسط حسم بأن الاستشارات التي تأجلت الأسبوع الماضي إلى يوم الخميس المقبل ستجرى في موعدها، أفادت قناة «أو تي في» المقربة من «التيار الوطني الحر» بأنه لم يطرأ أي عنصر جديد على صعيد الاتصالات الحكومية. وإذ أشارت إلى أن «الاستشارات قائمة بموعدها»، نقلت عن مصادر مطلعة تخوفها «من أن يكون هناك تكليف وبعدها تعثر في التأليف، خصوصاً بعدما اتضح أن هناك فريقين هما الحزب التقدمي الاشتراكي والثنائي الشيعي يصران على تسمية الوزراء من حصتهم».

ويصر «الثنائي الشيعي» المتمثل بـ«حركة أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، و«حزب الله» على تسمية الوزراء من الطائفة الشيعية ومعرفة الحقائب مسبقاً، ويدفعان باتجاه الاتفاق على هذا الجانب، ونُقل عن مصادرهما القول إن «المشاورات والاتصالات ستستمر قبل الاستشارات ومن الممكن إحداث اختراق في هذا الجانب».

وفيما يدفع الحريري باتجاه حكومة اختصاصيين تنفذ الورقة الفرنسية والبنود الإصلاحية بغرض إخراج لبنان من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، رأى عضو تكتل «لبنان القوي» النائب جورج عطا الله أن «الاتفاق الذي حصل حول الحكومة المزمع تشكيلها نفى عنها صفة الاختصاصية». وسأل: «إذا كانت الحكومة حكومة اختصاصيين، كيف نفسر كون رئيسها رئيس تيار سياسي كبير ويمارس العمل السياسي؟».

وقال عطا الله في تصريح لقناة «إل بي سي»: «لا يمكن أن نكون مع الحريري في الحكومة المزمع تشكيلها بأي شكل من الأشكال... لا يمكن الذهاب إلى حكومة تحت مسمى حكومة اختصاصيين، ويحصل في الوقت ذاته فرقاء على حصص فيها. لا رغبة لدينا بتسمية الحريري لاعتبارات عدة».

وفي المقابل، رأى عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم أن «الظروف الصعبة ودقة ما وصلت إليه أمور اللبنانيين، باتت تتطلب وجود حكومة سريعة قادرة وفاعلة، للبدء بخطوات إنقاذية تخرج الوطن من الانهيار الذي كاد يلامس القعر». وشدد على أن «الحاجة إلى حكومة تقارب الأزمة بكل مستوياتها، أصبحت ضرورة وطنية، وهذه مسؤولية كل القوى، فلم يعد جائزاً الانتظار والرهان على متغيرات وتطورات تخدم مصلحة هذا الفريق أو ذاك. فليكن الحكم للمؤسسات الدستورية، بعيداً من اجتهادات البعض وأهوائهم ومصالحهم، والأيام القليلة ستضع الجميع أمام الامتحان ليتحملوا المسؤولية».

استياء مسيحي من حالة المراوحة والراعي يدعو للإفراج عن الحكومة
بيروت: «الشرق الأوسط»
تصاعدت وتيرة الاستياء المسيحي من حالة المراوحة في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد تأجيل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة الأسبوع الماضي، إذ دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى «الإفراج عن الحكومة»، فيما انتقد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، من «يولون لعدد الوزارات والحصص أهمية تتخطى مصير لبنان».

وقال البطريرك الراعي أثناء ترؤسه قداس الأحد في بكركي، أمس، إنه «بعد مرور عام على الانتفاضة الشعبية من أجل التغيير في ذهنية السياسيين ودور المجتمع وأداء مؤسسات الدولة، نرى بألم وإدانة المنظومة السياسية تتجاهل عمداً وإهمالاً وازدراء مطالب المتظاهرين وشعبنا، فلا تهزها ثورة، ولا تفجير مرفأ، ولا تدمير عاصمة، ولا انهيار اقتصادي، ولا تدهور مالي، ولا وباء، ولا جوع، ولا فقر، ولا بطالة، ولا موت أبرياء. فلا تؤلف حكومة، ولا تحترم مبادرات صديقة، ولا تجري إصلاحات، ولا تفاوض جدياً مع المؤسسات المالية الدولية».

ورأى أن «الشعب فقد الثقة بالجماعة السياسية والدولة»، معتبراً أن «المسؤولين السياسيين من جهتهم فقدوا الحياء، واحترام الشعب والعالم، وعطل القيمون على الدولة دورها ككيان دستوري في خدمة الشعب والمجتمع». وأضاف: «لا أحد بريء من دم لبنان النازف. المسؤولية جماعية والحساب جماعي... من منكم، أيها المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت كي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ من منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ ارفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل الكامل، بالإضافة إلى ما يفعل وباء (كورونا)».

بالموازاة، اعتبر المطران إلياس عودة «أننا نعيش في فساد سياسي وأخلاقي يقودنا إلى موت حتمي». وسأل: «ألا تثبت المماطلة في اتخاذ القرارات المهمة أن دولتنا ميتة ومميتة في آن؟ لم كل هذا التردد والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ الوطن الجريح والشعب الكسيح؟ لم كل تلك الإجراءات الخانقة والعراقيل الواهية؟ لم لا نطبق الدستور، وننفذ بنوده من دون اجتهاد أو تحريف؟ هل بسبب عبادة الأنا؟».

وقال عودة في عظة قداس الأحد في وسط بيروت: «ما زال اللبنانيون يصفقون للزعماء الذين يهدرون مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويضيعون الفرصة تلو الأخرى لإنقاذ البلد، ولا يهتمون للوقت الذي يمر، ويجر وراءه ما تبقى من أمل في انتشال البلد من الحضيض، متمسكين بمماحكاتهم التافهة ومطالبهم العقيمة. ما زال عدد الوزارات وأسماء الوزراء والحصص أهم من مصير لبنان واللبنانيين. يهتمون بأمور كثيرة والحاجة إلى أمر واحد: إنقاذ البلد والتكاتف والعمل الجدي من أجل ذلك». وتوجه إلى المسؤولين بالقول: «عودوا إلى ضمائركم. إن استمررتم في غيكم لن يبقى وطن ولا مواطنون. تواضعوا وأصغوا إلى أنين شعبكم».

«القوات» يسحب الغطاء عن تأجيل الاستشارات
رفضه «نصيحة» باسيل ينهي ذريعة «الميثاقية» ويضغط على عون


بيروت: محمد شقير
لم يتمكن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يخوض آخر معاركه لقطع الطريق على عودة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، من جر حزب «القوات اللبنانية» للتموضع تحت خيمته، على خلفية أن رفض الحزب تسمية الحريري في الاستشارات النيابية سيفقدها الميثاقية، ما يدفع برئيس الجمهورية ميشال عون إلى التذرع بذلك لتبرير احتمال تأجيله للاستشارات للمرة الثانية خلال أسبوع.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية بارزة أن حزب «القوات» لم يتردد في اتخاذ قراره بعدم التجاوب مع رغبة باسيل الذي أعلمه بها بالمراسلة لغياب التواصل بينهما منذ فترة طويلة. وكشفت المصادر أن قيادة «القوات» قررت «أن تدير ظهرها للنصيحة التي أسداها باسيل، إنما بلسان الرئيس عون الذي عزا التأجيل الأول للاستشارات إلى أن تكتلات نيابية اتصلت به وتمنت عليه تأجيلها لبروز صعوبات تستدعي منه التدخل لإيجاد الحلول لها».

وأشارت المصادر إلى أن قيادة «القوات» اعتبرت أنه لا صلة للاستشارات النيابية بالميثاقية، ورأت أنها ليست مادة للتداول فيها لأنها خارج البحث طالما أنها محصورة بتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدة أن الهدف منها تعداد الأصوات في نهاية الاستشارات للإعلان عن اسم المرشح الذي نال تأييد غالبية النواب.

ولفتت إلى أن هذا الموقف «أسهم في إسقاط الذرائع التي استند إليها عون لتبرير تأجيل الاستشارات والتي ستكون حاضرة بامتياز في الاستشارات التي ستجرى الخميس المقبل، ما يفقده التذرع بها لأن التيار الوطني الحر سيجد نفسه وحيداً ولن يتمكن من جر الآخرين إلى ملعبه لاستخدامهم في تعطيل اللعبة البرلمانية وصولاً إلى ابتزاز الحريري والتهويل عليه». وأضافت أن «باسيل لا يعير أي اهتمام للاصطفاف السياسي الذي خلط أوراق إلغاء خطوط التماس السياسية بين قوى 8 آذار وبين ما تبقى من قوى 14 آذار، بعد أن تفرق العشاق ولم يعد ممكناً إعادة الروح إليها».

ورأت أن رئيس «القوات» سمير جعجع، وإن كان على خلاف مع الحريري، فإنه في المقابل «أبقى على كوة يمكن التأسيس عليها لعلها تفتح الباب لمعاودة التواصل بينهما». وقالت إن «حزب القوات في اجتماع نواب تكتل الجمهورية القوية انتهى إلى تجديد موقفه بعدم تسمية الحريري لتولي رئاسة الحكومة انسجاماً مع قناعته بتشكيل حكومة من رئيسها إلى وزرائها من مستقلين واختصاصيين من دون أن يسمي المرشح البديل في مواجهة الحريري خلافاً لتسميته في المرات السابقة السفير نواف سلام للرئاسة الثالثة». وأكدت أن «مشاركة نواب القوات في الاستشارات من دون تسمية أي مرشح لرئاسة الحكومة يفقد عون ومن خلاله باسيل عدة الشغل لتبرير تأجيله الثاني للاستشارات، وهذا ما يتيح له الإبقاء على خط الرجعة لمعاودة التواصل مع تيار الحريري».

واعتبرت أن الاستشارات ستجرى في موعدها «لأن التذرع بفقدانها الميثاقية ليس في محله ولم يسبق أن استخدمت مثل هذه الذريعة لتعطيلها»، وقالت إن «باسيل يخوض معركته وحيداً، وهو الآن يتموضع تحت عباءة رئيس الجمهورية».

وسألت المصادر: «أين يقف حزب الله من إصرار حليفه باسيل على جر الأمور إلى حافة الهاوية؟ وهل يلاقيه في منتصف الطريق حرصاً منه على استرضاء رئيس الجمهورية الذي لا يزال وتياره يؤمنان له الغطاء السياسي، مع أن أوساطاً مقربة من الثنائي الشيعي تؤكد أن الحزب فوجئ بدعوة عون للاستشارات وبتأجيلها لاحقاً؟».

لكنها استطردت أن «حزب الله لا يركض وراء البحث عن مشكلة مع عون وباسيل، ويفضل عدم إقحام نفسه في لعبة تعطيل الاستشارات حرصاً منه على تحالفه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يرفض تأجيلها، وسيكون له الرد المناسب في حال تقرر ترحيلها لأن البلد لا يحتمل التأجيل وبات في حاجة إلى تشكيل حكومة بعيداً عن الابتزاز والتهويل».

وحذرت من أن تأجيل الاستشارات «ستترتب عليه تداعيات سياسية سلبية تتجاوز الداخل إلى الخارج لأن باريس لن تقف مكتوفة اليدين حيال من يسعى إلى تعطيل مبادرتها»، مشددة على ضرورة «عدم أخذ البلد رهينة وجره إلى حافة الهاوية لأن الظروف تبدلت ولن يكون في مقدور عون تكرار تعطيل الانتخابات الرئاسية لأكثر من عامين ونصف ولم يفرج عنها إلا بعد انتخابه رئيساً للجمهورية».

وسألت المصادر: «هل يتحمل عون الدخول في مواجهة محلية وداخلية على خلفية ترحيله للاستشارات؟ وماذا سيقول للمجتمع الدولي الذي يبدي استعداده لمساعدة لبنان بشروط الالتزام بالمبادرة الفرنسية فعلاً لا قولاً؟». وأضافت أن «باسيل لن يتمكن من تأجيلها بعد أن فقد القدرة على تطييف عملية التكليف، إضافة لافتقاده الشريك المسيحي».

ونبهت إلى أن «تأجيل الاستشارات سيرفع منسوب الاحتقان في الشارع السني، فيما المطلوب استيعابه لئلا يدخل لبنان في أزمة حكم، وبالتالي فإن الجميع في مأزق أمام المجتمع الدولي في حال تقرر تعطيلها وهذا ما يدفع عون إلى مراجعة حساباته وصولاً إلى سحب التأجيل من التداول لتسهيل عملية التكليف ومن ثم التأليف الذي سيتوقف على رد فعل عون وتياره السياسي في حال أن رياح تشكيل الحكومة تسير بما لا تشتهيه سفنهما».

وقالت مصادر سياسية إنه «لم يعد أمام الرئيس عون من خيار سوى الالتزام بموعد الاستشارات النيابية الملزمة الخميس المقبل، وإلا ستذهب البلاد نحو أزمة حكم تتلازم هذه المرة مع تجديد الحصار المحلي والدولي على العهد القوي».