| | التاريخ: أيلول ٢٩, ٢٠٢٠ | المصدر: موقع النهار العربي - لبنان | | الجزائر: تمهيد لحلّ حزب "الارسيدي" أم ترويض لرئيسه فقط؟ | أزراج عمر
خلال هذا الأسبوع أعلن المجلس الشعبي الوطني الجزائري (البرلمان) أنه تلقى طلباً رسمياً من وزير العدل بالقاسم زغماتي، لرفع الحصانة عن نائبين بهذا المجلس، الأول هو رئيس حزب "الأرسيدي" (التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية) محسن بالعباس، والثاني هو الوزير السابق عبدالقادر واعلي. ولقد توضح في ما بعد أن طلب وزير العدل قد أحيل على لجنة الشؤون القانونية التابعة للبرلمان لاتخاذ إجراءات رفع الحصانة عنهما وذلك بهدف إحالتهما إلى العدالة لمحاكمتهما.
والجدير بالذكر أن رئيس حزب "الارسيدي" محسن بالعباس، قد تلقَى منذ أيام استدعاء من جهاز الدرك الوطني من أجل الاستماع إليه في القضية التي ينتظر أن يتهم بها أمام العدالة، أفاد في تصريحاته التي نشرها في موقعه الإلكتروني أنه أظهر استعداده للإمتثال ولكن مصالح مؤسسة الدرك الوطني فاجأته بتأجيل الموعد لأسباب غير واضحة تماماً حتى الآن.
وفي هذا السياق، يرى الملاحظون السياسيون أن تحرك وزارة العدل ضد رئيس حزب "الأرسيدي" له أبعاد سياسية معقدة ولا ينبغي اختزاله في مجرَد رغبة العدالة في التحقيق معه ومتابعته قضائياً بسبب وفاة عامل من الجنسية المغربية في ورشة بناء منزله الشخصي بالجزائر العاصمة بدعوى أن هذا العامل لم يكن مصرَحاً به ولم تكن لديه شهادة إقامة ولا تصريح بالعمل في الجزائر كما أوضحت ذلك مصالح تابعة لوزارة الداخلية الجزائرية لوسائل الاعلام وللبرلمان ولوزارة العدل معاً.
وفي هذا السياق، تسجل الاحصاءات الخاصة بالأجانب العاملين بالجزائر وملاحظات المواطنين أن "كل المسؤولين من دون استثناء استغلوا الأفارقه لبناء فيلاتهم وليس محسن بلعباس فقط، بل هناك الآلاف من الشباب الأفارقة يشتغلون أيضاً في الأرياف والقرى وفي كل ورشات البناء على مستوى الوطن وبطرق غير شرعية".
والغريب في الأمر أن قضية هذا العامل المغربي المتوفى في شقة محسن بالعباس قديمة. ويؤول المراقبون السياسيون إحياء وزارة العدل لها في هذا الظرف بالذات بأنه يرمي من جهة إلى استخدامها كحجة أمام الرأي العام الشعبي الجزائري لتوريط رئيس حزب "الأرسيدي" في ممارسة الإخلال بقوانين الدولة جراء توظيفه عاملاً أجنبياً غير مرخص له. ومن جهة أخرى، من أجل توجيه رسائل تهديد استباقية مشفرة إلى أحزاب المعارضة الأخرى كي لا تتصدى بالنقد للأحكام التي سوف تصدرها العدالة لمعاقبة قيادة حزب "الأرسيدي"، من خلال شخص رئيسها محسن بالعباس، غير أن مؤيدي حزب "الأرسيدي" يرفضون كل هذه الممارسات، ويتهمون السلطات الحاكمة أنها تريد تضليل الرأي العام وتشويه حزبهم والمعارضة الراديكالية الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت السيد عبد المجيد تبون إلى منصب رئيس الجمهورية، وللعراقل التي ما فتئت تكرس لمنع عودة الحراك الشعبي إلى التظاهر في الساحات بمئات الآلاف.
وفي هذا الخصوص، أكدت تصريحات أعضاء المكتب السياسي لحزب "الأرسيدي" مراراً أن السلطات الجزائرية تبحث في الوقت الراهن عن مبررات قانونية تسندها لحلَ بعض الأحزاب التي تقلقها من طريق تسويغ إعادة النظر في فوضى البنية العامة للتعددية الحزبية الجزائرية منذ إطلاق حرية تشكيل الأحزاب في البلاد.
وفي المقابل، هناك نقد شرس يوجه من طرف بعض أحزاب الموالاة والشخصيات الداعمة للنظام الحاكم إلى حزب "الأرسيدي" وتتهمه بالارتباط السرَي المشبوه بفصيل كان تابعاً في السابق لجهاز المخابرات وفقد تأثيره الآن بشكل دراماتيكي بعد انتصار جناح الراحل، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الجنرال قايد صالح، وتوج بإسقاط ترشيح الجنرال غديري للرئاسات ثم تلى ذلك التخلص من عدد من قيادات جهاز الجيش والمخابرات ذات الصلة بالمدير العام لجهاز المخابرات الجزائرية سابقاً، الجنرال توفيق السجن الذي أودع السجن أيضا وهلم جرَا.
وفي الواقع فإن السلطات الجزائرية الحالية ما فتئت تستفيد من ثغرات عدة تتخلل البنية البشرية لحزب "الأرسيدي" التي تتشكل في الغالب من الأمازيع الموزعين في مختلف محافظات البلاد وبخاصة في تيزي وزو وبجاية والأوراس، والبويرة، فضلاً عن انتمائه الإثني الذي يسبب له ضعف التمثيل بثمانية برلمانيين داخل قبة البرلمان فقط، وجراء عقيدته العلمانية ذات الحمولة الأيديولوجية المستوردة، وتوجهه الذي يربط باستمرار بالولاء المضمر لفرنسا وللفرنكوفونية، وبمعاداة العروبة أو برفضها والتشكيك في مطابقتها للهوية الوطنية في أحسن الأحوال.
ولهذه الأسباب وغيرها لم يقدر هذا الحزب المؤسس في عام 1989 أن يخلّص نفسه من وصمة الجهوية الأمازيغية التي حشر فيها منذ اللحظات الأولى لنشأته حيث اعتبره فصيل معتبر من النظام الجزائري، ومعه التياران الإسلامي بكل تلويناته، والقومي العربي جزءاً عضوياً من الخليط الذي يضم فصائل التيار الأمازيغي الذي تشغله هموم الهوية اللغوية والثقافية في الظاهر، ومطلب الاستقلال الذاتي حيناً آخر والانفصال طوراً آخر.
إلى جانب ما تقدم، فإن معظم الشخصيات المؤسسة لهذا الحزب يعتبرها النظام الحالي جزءاً من العصابة المرفوضة، ونذكر هنا على سبيل المثال فقط وزيرين سابقين يوجدان حالياً في السجن بسبب الفساد المالي وهما خليدة تومي، وعمارة بن يونس، أما فرحات مهني فيضعه النظام الجزائري الحاكم في خانة العدو الرقم واحد له في حين ينظر إلى السيناتور السابق بمجلس الأمة مقران أيت العربي كتابع لفلول العصابة أمثال الجنرال محمد بتشين والجنرال علي غديري، أما وزير الشباب والرياضة السابق الهادي ولد علي فيصنفه النظام الحالي كأحد أذيال الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، ويبقى رئيس حزب "الأرسيدي" التاريخي، السعيد سعدي في حالة ترحال بين إسبانيا وفرنسا وكأنه في وضع المقيم في شبه المنفى. | |
|